كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 19)
"""""" صفحة رقم 21 """"""
فقال أبو عبيدة : يا معشر الأنصار ، إنّكم أوّل من نصر وآزر ، فلا تكونوا أوّل من بدّل وغيرّ .
فقال بشير بن سعد ، أبو النعمان بن بشير : يا معشر الأنصار ، إنّا والله لئن كنّا أولى فضيلة في جهاد المشركين ، وسابقة في هذا الدّين ، ما أردنا به إلا رضا ربّنا ، وطاعة نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم ، والكدح لأنفسنا ؛ ما ينبغى لنا أن نستطيل بذلك على الناس ، ولا نبتغى به من الدينا عرضا ، فإن الله ولىّ المنة علينا بذلك ؛ ألا إن محمدا صلّى الله عليه وسلّم من قريش ، وقومه أحقّ به وأولى . وايم الله لا يرانى الله أنازعهم هذا الأمر أبدا فاتقوا الله ولا تخالفوهم ، ولا تنازعوهم .
فقال أبو بكر رضى الله عنه : هذا عمر وأبو عبيدة ، فأيهما شئتم فبايعوا ؛ فقالا : والله لا نتولّى هذا الأمر عليك ، وأنت أفضل المهاجرين ، وثاني اثين إذهما فى الغار ، وخليفة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على الصلاة ، والصّلاة أفضل دين المسلمين ، فمن ذا ينبغى له أن يتقدّمك أو يتولّى هذا الأمر عليك ابسط نيابعك فلمّا ذهبا ليبايعاه سبقهما إليه بشير بن سعد فبايعه ، فناداه المنذر بن الحباب : يا بشير بن سعد ، عققت عقاق ما أحوجك إلى ما صنعت أنفست على ابن عمّك الإمارة قال : لا والله ، ولكن كرهت أن أنازع قوماً حقا جعله الله لهم .
قال : ولّما رأت الأوس ما صنع بشير بن سعد ، وما تدعو إليه قريش ، وما تطلب الخزرج من تأمير سعد بن عبادة ، قال عليكم مرّة ، لا زالت لهم عليكم بذلك الفضلية ، ولا جعلوا لكم معهم فيها نصيبا أبدا فقوموا فبايعوا أبا بكر . فقاموا إليه فبايعوه ، وانكسر على سعد بن عبادة وعلى الخزرج ما كانوا اجتمعوا له من أمرهم .
قال أبو جعفر محمد بن جرير الطبري في تاريخه : فروى عن أبي بكر بن محمد الخزاعىّ : إن أسلم أقبلت بجماعتها حتى تضايقت بها السكك ليبايعوا أبا بكر ، فكان عمر يقول : ما هو إلا أن رأيت أسلم ، فأيقنت بالنصر .