كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 19)
"""""" صفحة رقم 214 """"""
وقال له رجل عند فرض العطاء : يا أمير المؤمنين ، لو كنت تركت في بيوت الأموال عدة لكون إن كان فقال : كلمة ألقاها الشيطان على فيك ، فإنى الله شرها ، وهي فتنة لمن بعدي ، بل أعد لهم ماأعد الله ورسوله ، طاعة الله ورسوله ، هما عدتنا التي بهما أفضينا إلى ماترون ؛ فإذا كان المال ثمن دين أحدكم هلكتم .
وقال عمر رضي الله عنه للمسلمين : إنى كنت أمرأً تاجراً يغني الله عيالي بتجارتي ، وقد شغلتموني بأمركم هذا ما ترون أنه يحل لي في هذا المال ؟ فأكثر القوم ، وعلي رضي الله عنه ساكت ، فقال : ماتقول يا علي ؟ فقال : ما أصلحك وأصلح عيالك بالمعروف ، ليس لك غيره . فقال القوم : القول ما قال علي . فأخذ قوته ، واشتدت حاجة عمر رضي الله عنه . فاجتمع نفر من الصحابة منهم عثمان ، وعلي ، وطلحة ، والزبير ، فقالوا : لو قلنا لعمر في زيادة يزيدها إياه في رزقه ؟ فقال عثمان رضي الله عنه : هلموا فلنستبري ما عنده من وراء وراء . فأتوا حفصة ابنته فأعلموها الحال ، واستكتموها ألا تخبر بهم عمر . فلقيت عمر في ذلك ، فغضب وقال : من هؤلاء لاسؤنهم ؟ قالت : لا سبيل إلى علمهم . قال : أنت بيني وبينهم ، ما أفضل ما أقتني رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في بيتك من الملبس ؟ قالت : ثوبين ممشقين كان يلبسهما للوفد والجمع ، قال : فاي الطعام ناله عندك أرفع ؟ قالت : خبزنا خبز شعير ، فصببنا عليه وهو حار أسفل عكة لنا ، فجعلتها دسمة حلوة ، فأكل منها ، فقال : أي ط كان يبسط عندك كان أوطأ ؟ قالت : كساء ثخين كنا نرقعه برقعة في الصيف فإذا كان الشتاء بسطنا نصفه ، وتدثرنا بنصفه . قال : يا حفصة فأبلغيهم أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قد فوضع الفضول مواضعها ، وتبلغ بالترجية ، فوالله لأضعن الفضول مواضعها ، ولأتبلغن بالترجية ؛ وإنما مثلي ومثل صاحبي كثلاثة سلكوا طريقاً ، فمضى الأول وقد تزود فبلغ المنزل ، وتبعه الآخر فسلك طريق فأفضى إليه ، ثم أتبعه الثالث ؛ فإن لزم طريقهما ورضي بزادهما لحق بهما ، وإن سلك غير طريقهما لم يجامعهما .