كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 19)
"""""" صفحة رقم 216 """"""
فخرج سلمان حتى أتى الأنبار ، فسار في غربي الفرات لا يرضى شيئاً حتى أتى الكوفة - وخرج حذيفة في شرقي الفرات لا يرضى شيئاً حتى أتى الكوفة - وكل رملة وحصباء مختلطين فهو كوفة - فاتياً عليها وفيها ديرات ثلاثة : دير حرقة ، ودير أم عمرو ، ودير سلسلة وخصائص خلال ذلك ، فأعجبتهما البقعة ، فنزلا وصليا ، ودعوا الله تعالى أن يجعلها منزلاً مباركاً . فلما رجعا إلى سعد بالخبز ، وقدم كتاب عمر أيضاً عليه ، كتب سعد إلى القعقاع بن عمرو وعبد الله بن المعتمر ، أن يستخلفا على جندهما ويحضرا عنده ، ففعلا . فارتحل سعد من المدائن حتى نزل الكوفة في المحرم سنة سبع عشرة ، فلما نزلها سعد كتب إلى عمر : إنى قد نزلت بكوفة ، منزلاً بين الحيرة والفرات ، برياً بحرياً ، ينبت الحلفاء والنصى ، وخيرت المسلمين بينها وبين المدائن ، فمن أعجبه المقام بالمدائن تركته فيها كالمسلحة . ولما استقروا بها عرفوا أنفسهم ، ورجع إليهم ما كانوا فقدوا من قوتهم . واستأذن أهل الكوفة في بنيان القصب ، واستأذن فيه أهل البصرة ، فاستقر منزلهم فيها في الشهر الذي نزل أهل الكوفة بعد ثلاث نزلات فيها قبلها . فكتب إليهم عمر : إن العسكرة أشد لحربكم ، وأذكر لكم ، وما أحب أن أخالفكم ، فابتني أهل المصرين بالقصب .
ثم إن الحريق وقع بالكوفة والبصرة ، وكانت الكوفة أشد حريقاً ، وكان الحريق في شوال . فبعث سعد نفراً منهم إلى عمر يستأذنه في البنيان باللبن ، فقدموا عليه بخبر الحريق ، واستأذنوه ، فقال : أفعلوا ، ولا يزيد بناء أحدكم عن ثلاثة أبيات ، ولا تطاولوا بالبنيان ، وألزموا السنة تلزمكم الدولة .
فرجع القوم إلى الكوفة بذلك ، وكتب عمر إلى أهل البصرة بمثل ذلك ، وكان على تنزيل الكوفة أبو هياج بن مالك ، وعلى تنزيل البصرة عاصم بن الدلف أبو الجرباء ، وقدر المناهج أربعين ذراعاً ، ومابين ذلك عشرين ذراعاً ، والأزقة سبعة أذرع ، والقطائع سبعين ذراعاً . وأول شيء خط فيهما مسجداهما ، وقام في وسطهما رجل شديد النزع ، فرمى في كل ناحية بسهم ، وأمر أن يبني ماوراء ذلك . وبني