كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 19)

"""""" صفحة رقم 218 """"""
بلغني أنك تدلكت بخمر ، والله قد حرم ظاهر الخمر وباطنه منه ، فلا تمسها أجسادكم . فكتب إليه : إنا قتلناها فعادت غسولاً غير خمر . فكتب إليه عمر : إن آل المغيرة ابتلوا بالجفاء ، فلا أماتكم الله عليه . فلما فرق خالد في الذين انتجعوه الأموال ، سمع بها عمر ، فكتب إلى أبي عبيدة بن الجراح مع البريد أن يقيم خالدأً ويعقله بعمامته ، وينزع عنه قلنسوته حتى يعلمكم من أين أجاز الأشعث ، أمن ماله أم من إصابة أصابها ؟ فإن زعم أنها من ماله فقد أسرف ، وإن زعم أنها من إصابة ، فقد أقر بخيانة . وأعزله على كل حال ، وأضمم إليك عمله .
وكان خالد على قنسرين من قبل أبي عبيدة ، فكتب أبو عبيدة إلى خالد ، فقدم عليه ، ثم جمع الناس وجلس على المنبر ، وقام البريد قبالة خالد ، فسأل خالد من أين أجاز الأشعث ؟ فلم يجبه ، وأبو عبيدة ساكت لا يتكلم .
فقال بلال : إن أمير المؤمنين أمر فيك بكذا وكذا ، ونزع عمامته فلم يمنعه ، ووضع قلنسوته ، وأقامه وعقله بعمامته ، وقال له : أمن مالك أجزت ؟ أم من إصابة أصبتها ؟ فقال : لا ، بل من مالي ، فأطلقه ، وأعاد قلنسوته ، ثم عممه بيده ، ثم قالك نسمع ونطيع لولاتنا ، ونفخم ونخدم موالينا .
قال : فأقام خالد متحيراً لا يدري : أمعزول هو أم غير معزول ولم يشافهه أبو عبيدة بذلك تكرمه له .
فلما تأخر قدومه على عمر ظن الذي كان ، فكتب إلى خالد بالإقبال إليه ، فرجع خالد إلى قنسرين فخطب الناس ، وودعهم ، ثم رجع إلى حمص ففعل مثل ذلك ، ثم سار إلى المدينة . فلما قدم على عمر شكاه وقال : شكوتك إلى المسلمين ، وبالله إنك في أمري لغير مجمل ، فقال له عمر : من أين هذا الثراء ؟ فقال : من الأنفال والسهمان ، ما زاد على ستين ألفاً فلك .
فقوم عمر ماله ، فرآه عشرين ألفاً ، فجعلهاعمر في بيت المال ، ثم قال : يا خالد ، والله إنك على لكريم ، وإنك إلي لحبيب . وكتب إلى الأمصار : إنى لم أعزل خالداً عن سخطة ولا خيانة ، ولكن الناس فخموه وفتنوا به ، فخفت أن يوكلوا إليه ، فأحببت أن يعلموا أن الله هو الصانع ، ولا يكونوا بعرض فتنة ، وعوضه عما أخذ منه . والله تعالى أعلم ، وحسبنا الله ونعم الوكيل .

الصفحة 218