كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 19)
"""""" صفحة رقم 22 """"""
قال عبد الله بن عبد الرحمن : فأقبل النّاس من كل جانب يبايعون أبا بكر ، وكادوا يطئون سعد بن عبادة ، فقال ناس من أصحاب سعد : اتقوا سعداّ لا تطئوه ، فقال عمر : اقتلوه ، اقتلوه ، قتله الله ؟ ثم قام على رأسه فقال : لقد هممت أن أطاك حتى تنذر عضوك ؛ فأخذ قيس بن سعد بلحية عمر ، ثم قال : والله لو حصصت منها شعرة ما رجعت وفي فيك واضحة .
فقال أبو بكر : مهلاّ يا عمر ، الرفق ها هنا أبلغ ؟ فأعرض عنه عمر ؛ وقال سعد : أما والله لو أن بي من قوتي ما أقوى على النهوض لسمعتم منى في أقطارها وسككها زئيرا يجحرك وأصحابك . أما والله إذا لألحقنّك بقوم كنت فيهم تابعا غير متبوع . احملونى عن هذا المكان ، فحملوه فأدخلوه داره ، وترك أياما ثم بعث إليه أن أقبل فبايع ؛ فقد بايع الناس وبايع قومك ؛ فقال : أما والله حتّى أرميكم بما في كناني من نبل ، وأخضب منكم سنان رمحي ، وأضربكم بسيفي ما ملكته يدي ، وأقاتلكم بأهل بيتى ومن أطاعني من قومى ، فلا أفعل وايم الله : لو أن الجنّ اجتمعت لكم مع الإنس ما بايعتكم حتى أعرض على ربى وأعلم ما حسابي .
فلما أتى أبو بكر بذلك قال له عمر : لا تدعه حتى يبايع ؛ فقال له بشير بن سعد : إنه قد لجّ وأبى وإنه ليس يبايعكم حتى يقتل ، وليس بمقتول حتى يقتل معه ولده وأهل بيته وطائفة من عشيرته . فاتركوه ، فليس تركه يضاركم ، إنما هو رجل واحد . فتركوه ، وقبلوا مشورة بشير بن سعد ، واستنصحوه لما بدا لهم منه ؛ فكان سعد بن عبادة لا يصلّى بصلاتهم ، ولا يجمع معهم ، ويحجّ ولا يفيض معهم بإفاضتهم ، فلم يزل كذلك حتى هلك أبو بكر الصديق رضى الله عنه .
وعن الضّحاك بن خليفة ، أنّ سعد بن عبادة بايع .
وعن جابر ، قال : قال سعد بن عبادة يؤمئذ لأبى بكر : إنّكم يا معشر المهاجرين حسدتموني على الإمارة ، وإنّك وقومي أجبرتموني على البيعة ؛ فقال أبو بكر : إنّا لو أجبرناك على الفرقة فصرت إلى الجماعة كنت فى سعة ، ولكنّا أجبرناك على الجماعة فلا إقالة فيها ؛ لئن نزعت يداّ من طاعة ، أو فرّقت جماعة لأضربنّ الذي فيه عيناك .