كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 19)
"""""" صفحة رقم 223 """"""
الوحش يأوى إلى الإنس ، وكان الرجل يذبح الشاه فيعافها من فيحها ، وأقسم عمر لا يذوق سمناُ ولا لبنأً ، ولا لحماً ؛ حتى يحيا الناس . وكتب إلى الأمراء المقيمين بالأمصار يستغيثهم لأهل المدينة ومن حولها ، فكان أول من قدم عليه أبو عبيدة بن الجراح بأربعة آلاف راحلة من طعام ، فولاه عمر قسمتها فيمن حول المدينة ، فقسمها وانصرف إلى عمله ، وتتابع الناس ، واستغنى أهل الحجاز . وأرسل عمرو بن العاص الطعام من مصر في البر والبحر ، فصار الطعام في المدينة كسعر مصر . واستسقى عمر رضي الله عنه بالعباس بن عبد المطلب عم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ؛ وذلك أن أهل البيت من مزينة ، قالوا لصاحبهم وهو بلال بن الحارثك قد هلكنا ، فاذبح شاة ، فقال : ليس فيهن شيء ، فلم يزالوا به حتى ذبح فسلخ عن عظم أحمر ، فنادى يامحمداه فأرى ف المنام أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أتاه ، فقال أبشر بالحياة ، أنت عمر فأقرأه منى السلام ، وقل له : إني عهدتك ، وأ ، ت في العهد شديد العقد ، فالكيس الكيس يا عمر . فجاء بلال حتى أتى باب عمر ، فقال لغلامه : استأذن لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، فأتى عمر فأخبره ففزع وقال : رأيت مسا ؟ قال : لا . قال : فأدخله ، فأدخله فأخبره الخبر ، فخرج عمر فنادى في الناس ، وصعد المنبر ، قال : نشدتكم الله الذي هداكم للإسلام ، هل رأيتم شيئاًتكرهو ؟ قالوا : اللهم لا ، ولم ذاك ؟ فأخبرهم ففطنوا ولم يفطن عمر ، فقالوا : إنما استبطأناك في الاستسقاء ، فاستسق بناك فنادى في الناسن فخرج وخرج معه العباس ماشياً ، فخطب وأوجز ، وصلى ، ثم جثا لوكبتيه وقال : اللهم عجزت عنا أنصارنا ، وعجز عنا حولنا وقوتنا ، وعجزت عنا أنفسنا ، ولا حول ولا قوة إلا بك ، اللهم فاسقنا ، وأحي العباد والبلاد . وأخذ بيد العباس ، وإن دموع العباس تتحادر على لحيته ، فقال : اللهم إننا نتقرب إليك بعم نبيك ، وبقية آبائه ، وأكبر رجاله ، فإنك تقول - وقولك الحق : " وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة " فحفظتهما بصلاح أبيهما ، فاحفظ اللهم نبيك في عمه ، فقد دنونا إليك مستشفعين ومستغفرين ، ثم أقبل على الناس ؛ فقال : استغفروا ربكم إنه كان غفاراً .