كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 19)

"""""" صفحة رقم 226 """"""
وقيل : إن عبد الرحمن قاتل مع أبيه يوم اليرموك . ومعاذ بن جبل أحد السبعين الذين شهدوا بيعة العقبة ، وآخى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) . بينه وبين عبد الله بن مسعود ، قاله الواقدي ، وقال : هذا مالاخلاف عندنا فيه .
وقال ابن اسحاق : آخي رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بينه وبين جعفر بن أبي طالب .
شهد معاذ بدراً والمشاهد كلها ، وبعثة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قاضياً إلى الجند من ارض اليمن ، يعلم الناس القرآن وشرائع الإسلام ، ويقضي بينهم ، وجعل إليه قبض الصدقات من العمال الذين باليمن ، وكان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قد قسم اليمن على خمسة رجال : خالد بن سعيد على صنعاء ، والمهاجر بن أبي أمية على كندة ، وزياد بن لبيد على حضرموت ، ومعاذ بن جبل على الجند ، وأبي موسى الأشعري على زبيد وزمعة وعدن والساحل .
وقال له رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حين وجهه إلى اليمن ، بم تقضي ؟ قال : بما في كتاب الله عز وجل . قال : فإن لم تجده ؟ قال بما في سنة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، قال : فإن لم تجده ؟ قال : بما في سنة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، قال : فإن لم تجد ؟ قال : أجتهد برأيي . فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : " الحمد لله الذي وفق رسول الله لما يحب رسول الله " وروى أبو عمر بن عبد البر بسنده عن كعب بن مالك ، قال : كان معاذ بن جبل شابا جميلاً ، من أفضل شباب قومه ، سمحاً ، لا يمسك ؛ فلم يدان حتى أغلق ماله كله من الدين ، فأتى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، فطلب إليه أن يسأل عرماءه أن يضعوا له ، فأبوا ، ولو تركوا لأحد من أجل أحد لتركوا لمعاذ بن جبل من أجل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، فباع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، ماله كله في دينه ، حتى قام معاذ بغير شيء ، حتى إذا كان عام فتح مكة ، بعثه النبي ( صلى الله عليه وسلم ) إلى طائفة من أهل اليمن ليجبره فمكث معاذ باليمن أميراً . وكان أول من أتجر في مال الله هو ، فمكث حتى أصاب وحتى قبض رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) . فلما قدم قال عمر لابي بكر : أرسل إلى هذا الرجل فدع له مايعيشه ، وخذ سائره منه ، فقال أبو بكر رضي الله عنه : إنما بعثه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ليجبره ، ولست بآخذ منه شيئاً ؛ إلا أن يعطيني . فانطلق عمر إليه إذ لم يطعه أبو بكر ، فذكر ذلك لمعاذن فقال معاذك إنما أرسلني رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ليجبرني ، ولست بفاعل ، ثم أتى معاذ عمر وقال : قد أطعتك ، وأنا فاعل ما أمرتني به ، إني رأيت في المنام أني في حومة ماء ؛ قد خشيت الغرق فخلصني منه يا عمر .

الصفحة 226