كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 19)

"""""" صفحة رقم 23 """"""
و حكى أبو عمر بن عبد البرّ رحمه الله ؛ أنّ عمر رضى الله عنه قال : نشدتكم الله هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم أمر أبا بكر أن يصلّى بالناس فقالوا : اللهم نعم ، قال : فأيّكم تطيب نفسه أن يزيله عن مقام أقامه فيه رسول الله صلّى الله عليه وسلم ؟ فقالوا : كلنا لا تطيب نفسه ، ونستغفر الله . وبايعوه .
قال : ثم بويع البيعة العامة يوم الثلاثاء من غد ذلك اليوم ، وتخلّف عن بيعته سعد بن عبادة ، وطائفة من الخزرج ، وفرقة من قريش ، ثم بايعوه بعد غير سعد .
وقيل : إنه لم يتخلّف عن بيعته يومئذ أحد من قريش .
وقيل : تخلّف عنه قريش : علىّ ، والزّبير ، وطلحة ، وخالد ابن سعد بن العاص . ثم بايعوه بعد .
وقد قيل : إن علىّ بن أبي طالب رضى الله عنه لم يبايعه إلا بعد موت فاطمة رضى الله عنها ، ثم لم يزل سامعا مطيعا له ، يثنى عليه ويفضّله .
وقيل : إنه تخلّف علىّ وبنو هاشم والزّبير وطلحة عن البيعة ، وقال الزّبير : لا أغمد سيفى حتى يبايع علىّ ، فقال عمر : خذوا سيفه ، فاضربوا به الحجر ؛ ثم أتاهم عمر فأخذهم للبيعة .
وقيل : إنّ عليّا لما سمع ببيعه أبى بكر خرج في قميص ، ما عليه إزار ولا رداء ، عجلاً حتى بايعه ، ثم استدعى إزاره ورداءه .
وحكى محمد بن إسحاق رحمه الله ؛ عن عبد الله بن أبي بكر ، أن خالد بن سعيد بن العاص قدم من اليمن بعد وفاة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، فتربّص ببيعته لأبي بكر شهرين ، وكان يقول : قد أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلّم ولم يعزلنى ، ثم بايع أبا بكر . فلمّا بعث أبو بكر الجنود إلى الشام ، كان أول من بعث على ربع منها خالد بن سعيد ، فلم يزل به عمر حتى عزله ، وأمّر يزيد ابن أبى سفيان ، وكان عمر رضى الله عنه قد اضطغن عليه تأخره عن بيعة أبى بكر .
وعن عكرمة ، قال : لمّا بويع لأبى بكر تخلّف عن بيعته علىّ ، وجلس في بيته ، فلقيه عمر ، فقال : تخلّفت عن بيعة أبى بكر ، فقال : أني أكتب بيمين حين قبض رسول الله عليه وسلّم ألا أرتدي برداء إلا إلى الصلاة المكتوبة ؛ حتى أجمع القرآن ؛ فأنى خشيت أن ينفلت ، ثم خرج فبايع .

الصفحة 23