كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 19)
"""""" صفحة رقم 242 """"""
فقال لعلي : تقول : إنى أحق من حضر هذا الأمر ، لقرابتك من رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ؛ وسابقتك وحسن أثرك في الدين ، ولم تبعد ؛ ولكن أرأيت لو صرف هذا الأمر عنك ولم تحضر إلى هؤلاء الرهط ، من تراه أحق به ؟ قال : عثمان ، وخلا بعثمان فقال : تقول : شيخ من بني عبد مناف وصهر رسول الله وابن عمه ولي سابقه وفضل ، فأين يصرف هذا الأمر عني ؟ ولكن لو لم تحضر ، أي هؤلاء أحق به ؟ قال علي . ولقي علي سعداً فقال : أتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام ، أسألك برحم ابني هذا من رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وبرحم عمي حمزة ألا تكون مع عبد الرحمن ظهيراً لعثمان علي . ودار عبد الرحمن ليلقى أصحاب رسول الله ومن وافى المدينة من أمراء الأجناد وأشراف الناس يشاورهم ؛ حتى إذا كانت الليلة التي صبيحتها يستكمل الأجل ، أتى منزل المسور بن مخرمة فأيقظه وقال له : لم أذق غيب هذه االليلة كثير غمض ، انطلق فاجع الزبير وسعداً ؛ فدعاهما ، فبدأ بالزبير فقال له : خل عبد بني مناف ، وهذا الأمر ، قال : نصيبي لعلي . وقال لسعد : اجعل نصيبك لي ، فقال : إن اخترت نفسك فنعم ، وإن اخترت عثمان فعلي أحب إلي ، أيها الجل ، بايع لنفسك وارحنا وارفع رؤوسنا . فقال : قد خلعت نفي على أن أختار ، ولو لم أفعل لم أردها ، إني رأيت روضة خضراء كثيرة العشب ، فدخل فحل ما رأيت أكرم منه ، فمر كأنه سهم لم يلتفت إلى شيء منها ؛ حتى قطعها ، لم يعرج . ودخل بعير يتلوه ، فاتبع أثره حتى خرج منها ، ثم دخل عبقري يجر خطامه ومضى قصد الأولين ، ثم دخل بعير رابع فوقع في الروضة ، ولا والله لا أكون الراتع الرابع ، ولا يقوم مقام أبي بكر وعمر بعدهما أحد فيرضى الناس عنه .
قال : وأرسل المسور ، فاستدعي علياً فناجاه طويلاً وهو لا يشك أنه صاحب الأمر ، ثم نهض ، ثم أرسل إلى عثمان فتناجيا حتى فرق بينهما الصبح ، فلما صلوا الصبح جمع الرهط ، وبعث إلى من حضره من المهاجرين واهل السابقة والفضل من الأنصار ، وإلى أمراء الأجناد ، فاجتمعوا حتى التحم المسجد بأهله ، فقال : أيها الناس ، إن الناس قد أحبوا أن يرجع أهل الأمصار إلى أمصارهم ، وقد علموا من أميرهم ، فأشيروا علي .
فقال عمار بن ياسر : إذا أردت ألا يختلف المسلمون فبايع علياً .
فقالع المقداد بن الأسود : صدق عمار إن بايعت علياً ، قلنا : سمعنا وأطعنا .
وقال ابن أبي سرح : إذا أردت ألا تختلف قريش فبايع عثمان .
فقال عبد الله بن أبي ربيعة : صدقت ، إن بايعت عثمان قلنا : سمعنا وأطعنا .