كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 19)

"""""" صفحة رقم 248 """"""
ولنفصل هذا الفصل لذكر شيء من أخبار من أدرك رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من أولاد عمر ، ومن ولد في حياته أما عبد الله بن عمر رضي الله عنهما فإنه أسلم مع أبيه ، وهو صغير لم يبلغ الحلم وكان أول مشاهده الخندق . وقيل : أحد ؛ لأن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ردد يوم بدر لصغر سنه ، وشهد الحديبية ، وكان رضي الله عنه من أهل الورع والعلم ، كثير الاتباع لآثار رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، شديد التحري والاحتياط في فتواه . وكان لا يتخلف عن السرايا على عهد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، ثم كان بعد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كثيرالحج . وقال رسول الله صلى الله وسلم لحفصة بنت عمر : " إن أخاك عبد الله رجل صالح لو كان يقوم من الليل " ، فما ترك بعدها قيام الليل . وقعد عن حرب علي لما أشكلت عليه لورعه ، ثم ندم على ذلك حين حضرته الوفاة ، فقال : ما أجد في نفسي من أمر الدنيا شيئاً إلا أنى لم أقاتل مع علي الفئة الباغية .
قال ميمون بن مهران : ما رأيت أورع من أبن عمر ، ولا أعمل من ابن عباس .
وأفتى من الإسلام ستين سنة ، ونشر نافع عنه علماً جماً .
وروى عن يوسف بن الماجشون ، عن أبيه وغيره : أن مروان بن الحكم دخل في نفر على عبد الله بن عمر بعد ما قتل عثمان ، فعرضوا عليه أن يبايعوا له ، فقال : كيف لي بالناس ؟ قال : تقاتلهم ونقاتل معك ، قال : والله لو اجتمع على أهل الأرض ، إلا أهل فدك ما قاتلتهم فخرجوا من عنده ومروان يقول :
إني أرى فتنة تغلي مراجلها . . . والملك بعد أبي ليلى لمن غلبا
قال : وكانت وفاة عبد الله بمكة سنة ثلاث وسبعين ، بعد قتل ابن الزبير بثلاثة أشهر أو نحوها ، وقيل : ستة أشهر ، وأوصى أن يدفن في الحل ، فلم يقدر على ذلك من أجل الحجاج ، فدفن بذي طوى بمقبرة المهاجرين .
وكان الحجاج قد أمر رجلاً فسم زج رمحه ، وزحمه في الطريق ، ووضع الزج في ظهر قدمه ؛ ذلك أن الحجاج خطب يوماً ، وأخر الصلاة ، فقال ابن عمر : إن الشمس لا تنتظرك ، فقال الحجاج : لقد هممت أن أضرب الذي فيه عيناك . فقال : إن تفعل فإنك سفيه سلط . وقيل : إنه أخفى قوله ذلك عن الحجاج فلم يسمعه .

الصفحة 248