كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 19)

"""""" صفحة رقم 26 """"""
يعني بالصّلاة هنا ، الصّلاة على رسول الله صلّى الله عليه وسلم - فإن خطبته هذه كانت قبل دفنه صلّى الله عليه وسلّم .
وقول عمر بن الخطاب في كلامه : " إنى قد كنت قلت لكم بالأمس مقالة " إشارة إلى ما كان قد تكلّم به عند وفاة رسول الله عليه وسلّم من إنكاره أنّه مات ، على ما قدّمناه ذكره فى خبر وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلّم ؛ وإنّما أوضحنا هذا الكلام في هذا الموضع لئلا يتبادر إلى ذهن من يسمعه ممنّ لم يطالع ما قبله ، ولا علم الواقعة فيتوهّم أن كلامه بذلك رجوع عّما تكلّم به بالأمس في شأن بيعه أبي بكر رضي الله تعالى عنه . وعن عاصم بن عدىّ ، أنه قال : وقام أبو بكر رضى الله عنه من بعد الغد - يعني من يوم بيعته - فحمد الله ، وأثنى عليه ، ثمّ قال : يأيّها الناس ؛ إنما أنا مثلكم ، وإنّي لا أدري لعلكم ستكلّفوني ما كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يطيق ، إن الله اصطفى محمدا على العالمين ، وعصمه من الآفات ، فإنّما أنا متّبع ولست بمبتدع فإن استقمت فاتّبعوني ، وإن زغت فقوموني ، وإن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قبض ، وليس أحد من هذه الأمة يطلبه بمظلمة ؛ ضربة سوط فما دونها ؛ ألا وإنما لي شيطان يعتريني ، فإذا أتاني فاجتنبوني ، لا أوثّر في أشعاركم وأبشاركم ، وإنكم تغدون وتروحون في أجل قد غيّب عنكم علمه ، فإن استطعتم ألّا يمضى هذا الرجل إلا وأنتم في عمل صالح فافعلوا ، ولن تستطيعوا ذلك إلاّ بالله . فسابقوا في مهل آجالكم من قبل أن تسلمكم آجالكم إلى انقطاع الأعمال فإن قوماً نسوا آجالهم وجعلوا أعمالهم لغيرهم ، فأنهاكم أن تكونوا أمثالهم . الجدّ الجدّ ، والوحي الوحى ، والنّجاة النّجاة ، وإن وراءكم طالبا حثيثاً ، أجلا مرّة سريع . واحذروا الموت ، واعتبروا بالآباء والأنباء والإخوان ، ولا تغبطوا الأحياء إلا بما تغبط به الأموات .
وقام أيضا رضي الله عنه ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قام : إن الله لا يقبل من الأعمال إلاّ ما أريد به وجهه فأريدوا الله بأعمالكم ، واعلموا أنّ ما أخلصتم لله من أعمالكم ، فطاعة أتيتموها ، وحظّ ظفرتم به ، وضرائب أدّيتموها ، وسلف قدمتموه من أيام فانية لأخرى باقية ، لحين فقركم وحاجتكم ، واعتبروا يا عباد الله بمن مات منكم ، وفكّروا فيمن كان قبلكم .

الصفحة 26