كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 19)

"""""" صفحة رقم 27 """"""
أين كانوا أمس وأين هم اليوم أين الجبّارون الذين كان لهم ذكر القتال والغلبة ومواطن الحروب ؟ قد تضعضع بهم الدّهر وصاروا رميما ، قد تركت عليهم القالات ؛ الخبيثات للخبيثين ، والخبيثون للخبثيات .
وأين الملوك الّذين أثاروا الأرض وعمروها ، قد بعدوا ، ونسى ذكرهم ، وصار كلا شىء . ألا إنّ الله قد أبقى عليهم التّبعات ، وقطع عنهم الشّهوات ، ومضوا والأعمال أعمالهم ، والدّنيا دنيا غيرهم ، وبقينا خلقاً بعدهم ، فإن نحن اعتبرنا بهم نجونا .
أين الوضّاء الحسنة وجوههم ، المعجبون بشبابهم صاروا تراباّ ، وصار ما فرّطوا فيه حسرةً عليهم .
أين الذين بنوا المدائن ؛ وحصّنوها بالحوائط ، وجعلوا فيها الأعاجيب قد تركوها لمن خلفهم ، فتلك مساكنهم خاوية وهم في ظلمات القبور ، هل تحسن منهم من أحد ، أو تسمع لهم ركزا أين من تعرفون من أبنائكم وإخوانكم ؟ قد انتهت بهم آجالهم ؛ فوردوا على ما قدّموا ، فملّوا عليه وأقاموا للشّقوة أو السّعادة فيما بعد الموت ؛ ألا إنّ الله لا شريك له ، ليس بينه وبين أحد من خلقه سبب يعطيه به خيراً ، ولا يصرف به عنه شراً إلا بطاعته واتّباع أمره .
واعلموا أنكم عبيد مذنبون ، وأنّ ما عنده لا يدرك إلا بطاعته . ألا وإنّه لا خير بخير بعده النّار ، ولا شرّ بشرّ بعده الجنة .
والله سبحانه وتعالى أعلم .
ذكر انفاذ جيش أسامة
قد ذكرنا في السيرة النبوية في الغزوات والسّرايا ؛ أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم كان قد جهّز أسامة بن زيد قبل وفاته ، وندب معه جماعة من أعيان المهاجرين والأنصار ، منهم أبو بكر وعمر . وذكرنا أيضا ما تكلّم به من تكلم من الصحابة في شأنه ، وما قاله رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )

الصفحة 27