كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 19)

"""""" صفحة رقم 280 """"""
فبعث إليه عثمان : الحق بأي أرض شئت . فقال : بمكة ؟ فقال : لا ، قال : فبيت المقدس ؟ قال : لا : فبأحد المصرين ؟ قال : لائ ، قال : ولكني مسيرك إلى الربذة ، فسيره إليها ، فلم يزل بها حتى مات .
وذكر البلاذري فيما حكاه كلاما كثيراً ، وقع بين عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما بسبب ذلك أغضينا عن ذكره وحكى أن أبا ذر بلغه أن معاوية يقول : إن المال مال الله ، ألا إن كل شيء فلله ، وأنه يريد أن يحتجبه دون الناس ، ويمحوا اسم المسلمين : فأتاه أبو ذر فقال : مايدعوك إلى أن تسمي مال المسلمين مال الله فقال : يرحمك الله يا أبا ذر ألسنا عباد الله ، والمال ماله قال : فلا تقله قال سأقول مال المسلمين وكان أبو ذر يذهب إلى أن المسلم لا ينبغي أن يكون في ملكه أكثر من قوت يرمه وليلته إلا شيء ينفقه في سبيل الله أو يعده لغريم ، ويأخذ بظاهر القرآن : " والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله " الآية ، وكان يقوم بالشام ويقول : يا معشر الأغنياء ، وأسو الفقراء ، بشروا الذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله بمكاو من نار تكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم . فما زال حتى ولع الفقراء بمثل ذلك ، وأوجبوه على الأغنياء .
وشكا الأغنياء ما يلقون منهم إلى معاوية فأرسل معاوية إليه بألف دينار في جنح الليل ، فانفقها ، فلما صلى معاوية الصبح دعا معاوية رسوله الذي ارسله إليه ، فقال : اذهب إلى أبي ذر ، فقل له : أنقذ جسدي من عذاب معاوية ، فإنه أرسلني إلى غيرك ، وأني أخطأت بك ، ففعل ذلك . فقال له أبو ذر يا بني ، قل له : والله ما أصبح عندنا من دنانيرك دينار ، ولكن أخرنا ثلاثة أيام حتى نجمعها .
فلما رأى معاوية أن فعله صدق قوله كتب إلى عثمان : إن أباذر قد ضيق علي ، وقد كان كذا وكذا ، الذي يقوله الفقراء .
فكتب إليه عثمان : إن الفتنة قد أخرجت خطمها وعينيها ، ولم يبق إلا أن تثب ، فلا تنكا القرص ، وجهز أبا ذر ، وابعث معه دليلاً ، وكفكف الناس ونفسك ما استطعت .

الصفحة 280