كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 19)
"""""" صفحة رقم 281 """"""
فبعث له بأبي ذر ، فلما قدم المدينة ورأى المجالس في أصل جبل سلع قال . بشر أهل المدينة بغارة شعواء ، وحرب مذكار ودخل على عثمان فقال له : ما بال أهل الشام يشكون ذرب لسانك فأخبره . فقال : يا أبا ذر ، علي أن اقضي ما علي ، وأن أدعو الرعية إلى الاجتهاد والاقتصاد ، وما على أن أجبرهم على الزهد .
فقال أبا ذر : لا ترضوا من الأغنياء حتى يبذلوا المعروف ، ويحسنوا إلى الجيران والإخوان ، ويصلوا القرابات ، فقال : كعب الأحبار - وكان حاضراً : من أدى الفريضة فقد قضى ما عليه ، فضربه أبو ذر فشجه ، وقال : يا بن اليهودية ، ما أنت و ما هاهنا فاستوهب عثمان كعبا شجته ، فوهبه ، فقال أبو ذر لعثمان : تأذن لي بالخروج من المدينة فإن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أمرني بالخروج منها إذا بلغ البناء سلعا ؟ فأذن له فبلغ الربذة ، وبنى بها مسجداً ، وأقطعه عثمان صرمة من الإبل ، وأعطاه مملوكين ، وأجرى عليه في كل يوم عطاء ، وكذلك أجرى على رافع بن حديج ، وكان قد خرج أيضاً من المدينة لشيء سمعه . قال : وكان أبو ذر يتعاهد المدينة مخافة أن يعود أعرابياً ، وأخرج معاوية إليه أهله ، فخرجوا ومعهم جراب يثقل يد الرجل فقال : انظروا إل هذا الذي يزهد في الدنيا ما عنده ؟ فقالت امرأته : والله ماهو دينار ولا درهم ولكنها فلوس كان إذا خرج عطاؤه ابتاع منه فلوسا لحوائجنا .
وروى البخاري رحمه الله في صحيحه بسنده إلى زيد بن وهب قال : مررت بالربذة فإذا أنا بأبي ذر - رضي الله عنه ، فقلت له .
ما أنزلك منزلك هذا ؟ قال : كنت في الشام ، فاختلفت أنا ومعاوية في الذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله . قال : معاوية : نزلت في أهل الكتاب ، فقلت : نزلت فينا وفيهم ، فكان بيني وبينه في ذاك كلام ، وكتب إلى عثمان رضي الله عنه يشكوني ، فكتب إلى عثمان أن أقدم المدينة ، فقدمتها ، فكثر على الناس حتى كأنهم لم يروني قبل ذلك ، فذكرت ذلك لعثمان رضي الله عنه فقال لي : إن شئت تنحيت فكنت قريباً ؛ فذلك الذي أنزلني هذا المنزل ، ولو أمروا على حبشياً لسمعت وأطعت .