كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 19)
"""""" صفحة رقم 287 """"""
الله بمن يسومكم ولا يحمدكم على الصبر ، ثم تكونون شركاءهم فيما جررتم على الرعية في حياتكم وبعد وفاتكم .
فقال صعصعة : أما ما ذكرت من قريش فإنها لم تكن أكثر الناس ، ولا أرفقها ، ولا أمنعها في الجاهلية فتخوفنا ، وأما ما ذكرت من الجنة ؛ فإن الجنة إن اخترقت خلص إلينا .
فقال معاوية : عرفتكم الآن ، وعلمت أن الذي أغراكم على هذا قلة العقول ؛ وأنت خطيبهم ، ولا أرى لك عقلاً ، أعظم عليك أمر الإسلام وتذكرني الجاهلية ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ أخزى الله قوماً أعظموا أمركم .
أفقهوا عني - ولا أظنكم تفقهون - أن قريشاً لم تعز في جاهلية ولا إسلام إلا بالله تعالى ، لم تكن بأكثر العرب ولا بأشدهم ؛ ولكنهم كانوا أكرمهم أحساباً ، وأمحضهم أنساباً ، وأكملهم مروءة ، ولم يمتنعوا في جاهلية - والناس يأكل بعضهم بعضاً - إلا بالله ، فبوأهم حرما آمنا ، يتخطف الناس من حولهم ، هل تعرفون عرباً أو عجماً أو سوداً أو حمراً ، إلا وقد أصابه الدهر في بلده وحرمته ؛ إلا ماكان من قريش ؛ فإنهم لم يردهم أحد من الناس بكيد إلا جعل الله خده الأسفل ؛ حتى أراد الله أن يستنقذ من أكرم ، واتبع دينه من هو أن الدنيا وسوء مرد الآخرة ، فارتضى لذلك خير خلقه ، ثم ارتضى له أصحاباً فكان خيارهم قريشاً ، ثم بنى هذا الملك عليهم ، وجعل هذه الخلافة فيهم ، فلا يصلح ذلك إلا عليهم ، فكان الله تعالى يحوطهم في الجاهلية ، وهم على كفرهم ، افتراه لا يحوطهم وهم على دينه أف لك ولأصحابك أما أنت يا صعصعة ، فإن قريتك شر القرى ، أنتنها نبتاً ، وأعمقها وادياً ، وأعرفها بالشر وألامها ، ألام العرب ألقابا وأصهارا ، نزاع الأمم ، وأنتم جيران الخط ، وفعلة فارس ، حتى أصابتكم دعوة النبي ( صلى الله عليه وسلم ) . فأنت شر قومك ، حتى إذا أبرزك الإسلام وخلطك بالناس أقبلت تبتغي دين الله عوجاً ، وتنزع إلى الذلة ، ولا يضر ذلك قريشاً ، ولا يضعهم ولن يمنعهم من تأدية ما عليهم ، إن الشيطان عنكم غير غافل ، قد عرفكم بالشر فأغرى بكم الناس وهو صارعكم ، ولا تدركون بالشر أمراً أبداً ؛ إلا فتح الله عليكم شراً منه وأخزى .
ثم أقام وتركهم ، فتقاصرت إليهم أنفسهم .