كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 19)
"""""" صفحة رقم 289 """"""
قال : صعصعة : كذبت ، لقد ولدهم خير من أبي سفيان ، من خلقه الله بيده ، ونفخ فيه من روحه ، وأمر الملائكة فسجدوا له ، وكان فيهم البر والفاجر ، والأحمق والكيس .
فخرج تلك الليلة من عندهم ، ثم أتاهم من القابلة فتحدث عندهم طويلاً ثم قال : أيها القوم ، ردوا خيراً أو اسكتوا ، وتفكروا وانظروا فيما ينفعكم وينفع أهاليكم المسلمين فاطلبوه .
فقال صعصعة : لست بأهل ذلك ولا كرامة ، لك أن تطاع في معصية الله عز وجل فقال : أليس أول ما ابتدأتكم به أن أمرتكم بتقوى الله وطاعته وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا .
قالوا : بل أمرت بالفرقة وخلاف ماجاء به النبي ( صلى الله عليه وسلم ) .
قال : فإني آمركم الآن ، إن كنت فعلت فإني أتوب إلى الله وآمركم بتقواه وطاعته ، وطاعة نبيه ، ولزوم الجماعة ، وأن توقروا أئمتكم ، وتدلوهم على أحسن ما قدرتم عليه .
فقال صعصعة : فإنا نأمرك أن تعتزل عملك ، فإن في المسلمين من هو أحق به منك ؛ من كان أبوه أحسن قدماً من أبيك في الإسلام وهو أحسن قدما في الإسلام من أبيك . فقال : والله إن لي في الإسلام قدما ، ولغيري كان أحسن قدما مني ، ولكن ليس في زماني أحد أقوى على ما أنا فيه مني ، ولقد رأى ذلك عمر بن الخطاب ، فلو كان غيري أقوى مني لم تكن عند عمر هوادة لي ولالغيري ، ولم أحدث من الحدث ما ينبغي أن أعتزل عمل ، ولو رأى ذلك أمير المؤمنين لكتب إلى فاعتزلت عمله ، فمهلاً فإن في ذلك وأشباهه ما يتمنى الشيطان ويأمر .
ولعمري ، لو كانت الأمور تقضي على رأيكم وأمانيكم ، مااستقامت لأهل الإسلام يوما وليلة ، فعاودوا الخير وقولوه ، وإن لله لسطوات وإني لخائف عليكم أن تتابعوا في متابعة الشيطان ، ومعصية الرحمن فيحلكم بذلك دار الهوان في العاجل والآجل .
فوثبوا عليه ، وأخذوا رأسه ولحيته . فقال : مه إن هذه ليست بارض الكوفة ، والله لو رأى أهل الشام ما صنعتم في ما ملكت أن أنهاهم عنكم حتى يقتلوكم ، فلعمري إن صنيعكم ليشبه بعضه بعضاً ، ثم قام من عندهم .