كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 19)
"""""" صفحة رقم 291 """"""
فخرج يزيد ، وأمر منادياً ينادي : من شاء أن يلحق بيزيد لرد سعيد فليفعل ، فبقي أشراف الناس وحلماؤهم في المسجد ، وعمرو بن حريث يومئذ خليفة سعيد ، فصعد المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه وأمر الناس بالاجتماع والطاعة .
فقال له القعقاع بن عمرو : أترد السيل عن أدراجه ؟ هيهات لا والله لا يسكن الغوغاء إلا المشرفية ويوشك أن تنتضي ، ثم يعجون عجيج العدان ، ويتمنون ما هم فيه اليوم ، فلا يرده الله عليهم أبداً ، فاصبر . قال : أصبر ، وتحول إلى منزله .
وخرج يزيد بن قيس فنزل الجرعة ، وهي قريب من القادسية ، معه الأشتر ، ووصل إليهم سعيد بن العاص ، فقالوا : لا حاجة لنا بك ، فقال : إنما كان يكفيكم أن تبعثوا إلى أمير المؤمنين رجلاً وإلى رجلاً ، وهل يخرج الألف لهم عقول إلى رجل . ثم انصرف عنهم ، ومضى حتى قدم على عثمان فأخبره الخبر ، وأن القوم يريدون البدل ، وأنهم يختارون أبا موسى . فولاه عثمان ، وكتب إليهم : أما بعد ، فقد أمرت عليكم من اخترتم ، وأعفيتكم من سعيد ، والله لأقرضنكم عرضي ، ولأبذلنكم صبري ، ولأصلحنكم جهدي ، فلا تدعوا شيئاً أحببتموه لا يعصي الله فيه إلا سألتموه ، ولا شيئاً كرهتموه لا يعصي الله فيه إلا مااستعفيتم منه . أنزل فيه عندما أحببتم ؛ حتى لا تكون لكم على الله حجة ، ولنصبرن كما ما أمرنا ؛ حتى تبلغوا ما تريدون . ورجع الأمراء من قرب الكوفة ، فرجع جرير من قرقيسياء ، وعتيبة بن النهاس من حلوان ، وخطبهم أبو موسى ، وأمرهم بلزوم الجماعة وطاعة عثمان . فأجابوه إلى ذلك ، وقالوا : صل بنا . فقال : لا ، إلا على السمع والطاعة لعثمان ، قالوا : نعم ، فصلى بهم ، وأتاه ولاته فولاهم . والله سبحانه وتعالى أعلم ، وهو حسبي .