كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 19)

"""""" صفحة رقم 293 """"""
قال أبو حبيبة : ولم يكن ذلك منه إلا عن ملإ من الناس ، وقام إلى عثمان شيعته من بني أمية ، فحملوه فأدخلوه الدار .
وروى عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن أبيه ، قال : أنا أنظر إلى عثمان يخطب على عصا النبي ( صلى الله عليه وسلم ) التي كان يخطب عليها أبو بكر ، فقال له جهجاه : قم يا نعشل ، فانزل عن هذا المنبر ، وأخذ العصا فكسرها على ركبته اليمنى ، فدخلت شظية منها فيها ، فبقي الجرح متى أصابته الأكلة ، فرأيتها تدود . ونزل عثمان وحملوه ، وأمر بالعصا فشدوها ، فكانت مضببة ، فما خرج بعد ذلك اليوم إلى خرجة أو خرجتين حتى حصر ، فقتل .
هذا ما كان من أمر أهل المدينة .
وأما ما كان من أهل الأمصار ، فكان سبب خلافهم أن عبد الله ابن سبأ المعروف بابن السوداء ، كان يهودياً ، فأسلم أيام عثمان ، ثم تنقل في الحجاز ، ثم بالبصرة ، ثم بالكوفة ، ثم بالشام ، يريد إضلال الناس ، فلم يقدر منهم على ذلك ، وأخرجه أهل الشام فأتى مصر ، فأقام فيهم ، وقال لهم : العجب ممن يصدق أن عيسى يرجع ، ويكذب أن محمداً يرجع ، ووضع لهم الرجعة ، فقبلوا ذلك معه ، ثم قال لهم بعد ذلك إنه كان لكل نبي وصي ، وعلى وصي محمد ، فمن أظلم ممن لم يجز وصية رسول الله ، ووثب على وصية وإن عثمان أخذها بغير حق ، فانهضوا في هذا الأمر ، وابدءوا بالطعن على أمرائكم ، وأظهروا الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر تستميلوا به الناس . وبث دعاته ، وكاتب من استفسد في الأمصار ، وكاتبوه ، ودعوا في السر إلى ما عليه رأيهم .
ثم كان أهل الكوفة أول من قام في ذلك ، فاجتمع ناس منهم فتذاكروا أعمال عثمان ، فاجتمع رأيهم أن يرسلوا إليه عامر بن عبد الله التميمي ، ثم العنبري ، وهو الذي يدعى عامر بن عبد القيس ، فأتاه ، فدخل عليه فقال : إن ناسا من المسلمين اجتمعوا ونظروا في أعمالك ، فوجدوك قد ارتكبت أموراً عظاماً ، فاتق الله وتب إليه .
فقال عثمان : أنظروا إلى هذا ، فإن الناس يزعمون أنه قارئ ، ثم هو يجئ فيكلمني في المحقرات ، ووالله ما يدري أين الله ؟ فقال عامر : بل والله إني لأدري أن الله لبالمرصاد .

الصفحة 293