كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 19)
"""""" صفحة رقم 294 """"""
فأرسل عثمان إلى معاوية ، وعبد الله بن سعد ، وسعيد بن العاص ، وعمرو بن العاص ، وعبد الله بن عامر ، فجمعهم وشاروهم ، وقال لهم : إن لكل أمير وزراء ونصحاء وإنكم وزرائي ونصحائي ، وأهل ثقتي ، وقد صنع الناس ما قد رأيتم ، وطلبوا إلى أن أعزل عمالي ، وأن أرجع عن جميع ما يكرهون إلى مايحبون ، فاجتهدوا رأيكم . فقال بن عامر : أرى يا أمير المؤمنين أن تشغلهم بالجهاد عنك حتى يذلوا لك ، ولاتكون همة أحدهم إلا في نفسه وما هو فيه من دبر دابته وقمل فروته .
وقال سعيد : أحسم عنك الداء فاقطع عنك الذي تخاف ، فإن لكل قوم قادة ، متى تهلك تفرقوا ولا يجتمع لهم أمر ، فقال عثمان : هذا هو الرأي لولا مافيه .
وقال معاوية : أشير عليك أن تامر أمراء الاجناد فيكفيك كل رجل منهم ما قبله ، وأكفيك أنا أهل الشام .
وقال أبن سعد : إن الناس أهل طمع ، فاعطهم من هذا المال ، تعطف عليك قلوبهم .
ثم قام عمرو بن العاص فقال : يا أمير المؤمنين ، أنك قد ركبت الناس بمثل بني أمية . فقلت وقالوا ، وزغت وزاغوا ، فاعتدل أو اعتزل ، فإن أبيت فاعتزم عزماً ، وامض قدماً .
فقال له عثمان : مالك قمل فروك ، أهذا الجد منك فسكت عمرو حتى تفرقوا ، فقال : والله يا أمير المؤمنين لأنت أكرم على من ذلك ؛ ولكني علمت أن بالباب من يبلغ الناس قول كل رجل منا ، فأردت أن يبلغهم قولي ، فيثقوا بي ، فأقود إليك خيراً ، وأدفع عنك شراً .
ثم رد عثمان عماله إلى أعمالهم ، وأمرهم بتجهيز الناس في البعوث ، ورد سعيد بن العاص إلى الكوفة ، فلقيه الناس من الجرعة فردوه كما تقدم ، وتكاتب أهل الأمصار ، لما أفسد أمرهم بن السوداء ، وصار أهل كل مصر يكتب إلى أهل مصر الآخر بعيوب يضعونها لولاتهم ، وينالون منهم حتى ذاع ذلك في سائر البلاد ، ووصل إلى المدينة .