كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 19)
"""""" صفحة رقم 297 """"""
ذكر إرسال عثمان إلى الأمصار ليأتوه بأخبار عماله وما يقول الناس فيهم
قال : لما تكاتب أهل الأمصار بعيوب ولاتهم التي وضعوها ، وشاع ذلك ، وأتت الأخبار إلى المدينة ، أتى أهل المدينة إلى عثمان وقالوا : يا أمير المؤمنين إنا نخبرك عن الناس بما ياتينا ، وأخبروه ، فاستشارهم فأشاروا أن يبعث رجالاً ممن يثق بهم إلى الأمصار ، ليأتوه بأخبار العمال ، فارسل محمد بن سلمة إلى الكوفة ، وأسامة بن زيد إلى البصرة ، وعمار بن ياسر إلى مصر ، وعبد الله بن عمر إلى الشام .
وفرق رجالا سواهم ، فرجعوا جميعاً قبل عمار ، فقالوا : ما أنكرنا شيئاً ولا نكره أعلام الناس ولا عوامهم . وتأخر عمار حتى ظنوا أنه اغتيل ، فجاء كتاب عبد الله بن أبي سرح يذكر أن عماراً قد استماله قوم وانقطعوا إليه ، منهم عبد الله بن السوداء ، وخالد بن ملجم ، وسودان بن حمران ، وكنانة بن بشر .
فكتب عثمان إلى أهل الأمصار : إني آخذ عمالي بموافاتي في كل موسم ، وقد رفع إلى أهل المدينة أن أقواماً يضربون ويشتمون ، فمن أدعى شيئاً من ذلك فليواف الموسم ، ليأخذ بحقه مني أو من عمالي ، أو تصدقوا فإن الله يجزي المتصدقين .
فلما قرأ كتابه في الأمصار بكى الناس بكاء شديداً ، ودعوا عثمان رضي الله عنه . وقدم عمال الامصار إلى مكة في الموسم : عبد الله عامر أمير البصرة ، وعبد الله بن سعد أمير مصر ، ومعاوية أمير الشام وأدخل معهم في المشورة سعيد بن العاص ، وعمرو بن العاص .
فقال عثمان رضي الله عنه : ويحكم ماهذه الشكاية وما هذه الإذاعة إني والله لخائف أن تكونوا مصدوقاً عليكم ، وما يعصب هذا إلا بي ، فقالوا : ألم تبعث ؟ ألم نرجع إليك الخبرعن القوم ؟ ألم ترجع رسلك ولم يشافههم أحد بشيء ، والله ما صدقوا ولا بروا ولا نعلم لهذا الأمر أصلاً ، ولا يحل الأخذ بهذه الإذاعة . فقال : أشيرواعلي .
فقال سعيد : هذا أمر مصنوع يلقى في السر فيتحدث به الناس ، ودواء ذلك طلب هؤلاء ، وقتل الذين يخرج هذا من عندهم .
وقال عبد الله بن سعد : خذ من الناس الذي عليهم إذا أعطيتهم الذي لهم ، فإنه خير من أن تدعهم .