كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 19)
"""""" صفحة رقم 298 """"""
وقال معاوية : قد وليتني فوليت قوما لايأتيك عنهم إلا الخير ، والرجلان أعلم بناحيتيهما ، والرأي حسن الأدب .
قال عمر : أرى أنك قد لنت لهم ، وتراخيت عليهم ، وزدتهم على ماكان يصنع عمر ، فأرى أن تلزم طريق صاحبيك ، فتشتد في موضع الشدة ، وتلين في موضع اللين .
فقال عثمان : قد سمعت كل ما أشرتم به علي ، ولكل أمر باب يؤتى منه . إن هذا الأمر الذي يخاف على هذه الأمة كائن ، وإن بابه الذي يغلق عليه فيكفكف بهن اللين والمؤاتاة إلا في حدود الله ، فإن فتح فلا يكون لأحد على حجة حق . وقد علم الله أنى لم آل الناس خيراً ، وأن رحا الفتنة لدائرة ، فطوبى لعثمان إن مات ولم يحركها . سكنوا الناس ، وهيئوا لهم حقوقهم ؛ فإذا تعوطيت حقوق الله عز وجل فلا تدهنوا فيها .
وكان هذا بمكة . فلما قدم عثمان المدينة دعا علياً وطلحة والزبير ، وعنده معاوية ، فحمد معاوية الله ، ثم قال أنتم أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وخيرته من خلقه ، وولاه أمر هذه الأمة ، لايطمع فيه أحد غيركم ، اخترتم صاحبكم عن غير غلبة ولا طمع ، وقد كبر وولى عمره ، ولو انتظرتم به الهرم لكان قريباً ؛ مع أني أرجو أن يكون أكرم على الله أن يبلغه ذلك ، وقد فشت مقالة أخفتها عليكم ، فما عتبتم فيه من شيء فهذه يدي لكم به ، ولا تطمعوا الناس في أمركم ، فوالله إن طمعوا فيه لرأيتم منها أبداً إدبارا .
فقال علي بن أبي طالب : مالك وذاك لا أم لك قال : دع امي فإنها ليست بشر أمهاتكم ، قد اسلمت وبايعت النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، وأجبني عما أقول لك .
فقال عثمان : صدق ابن أخي ، أنا أخبركم عني وعما وليت ، إن صاحبي اللذين كانا قبلي أنفسكما ، ومن كان منهما بسبيل احتسابا ، وإن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كان يعطي قرابته ، فأنا في رهط أهل عيلة ، وقلة معاش ، فبسطت يدي في شيء من ذلك المال لما أقوم به فيه ، فإن رأيتم ذلك خطأ فردوه ، فأمري لأمركم تبع .
فقالوا : أصبت وأحسنت ، قد أعطيت عبد الله بن خالد بن أسيد خمسين ألفاً ، وأعطيت مروان خمسة عشر ألفاً . فأخذ منهما ذلك ، فرضوا وخرجوا راضين .
ولما رأى معاوية ما الناس فيه قال لعثمان : أخرج معي إلى الشام فإنهم على الطاعة قبل أن يهجم عليك مالا قبل لك به ، فقال : لا أبيع جوار رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ؛ وإن كان فيه قطع خيط عنقي ،