كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 19)
"""""" صفحة رقم 301 """"""
قال ابن الأثير الجزري : وقيل : إن علياً لما رجع من عند المصريين بعد رجوعهم أتى عثمان ، فقال : تكلم كلاماً يسمعه الناس منك ، ويشهدون عليك ويشهد الله على مافي قلبك من النزوع والإنابة ؛ فإن البلاد قد تمخضت عليك ، فلا آمن أن يجيء ركب آخر من الكوفة والبصرة ، فتقول : يا علي ، أركب إليهم ، فإن لم أفعل رأيتني قد قطعت رحمك ، واستخففت بحقك .
فخرج عثمان فخطب خطبة نزع فيها ، وأعطى الناس من نفسه التوبة ، وقال : أنا أول من اتعظ ، استغفر الله مما فعلت وأتوب إليه ، فمثلي نزع وتاب ، فإذا نزلت فليأتني أشرافكم فليروا رأيهم ، فوالله لئن ردني الحق عبداً لأستن بسنة العبد ، ولأذلن ذل العبد ، وما عن الله مذهب إلا إليه ، فوالله لأعطينكم الرضا ، ولأنحين مروان وذويه ، ولا أحتجب عنكم .
فرق الناس وبكوا حتى أخضلت لحاهم ، وبكى هو أيضاً ، فلما نزل وجد مروان وسعيد ونفراً من بني أمية في منزله ، لم يكونوا شهدوا خطبته .
فلما جلس قال مروان : يا أمير المؤمنين ، أتكلم أم أسكت ؟ فقالت : نائلة ابنة الفرافصة أمراة عثمان لا ، بل أصمت ، فإنهم والله قاتلوه ومؤثموه ، إنه قال مقالة لا ينبغي له أن ينزع عنها .
فقال لها مروان : ما أنت وداك ؟ فوالله لقد مات أبوك وما يحسن يتوضأ ، فقالت : مهلا يا مروان عن ذكر الآباء ، تخبر عن أبي وهو غائب تكذب عليه وإن أباك لا يستطيع أن يدفع عنه . أما والله لولا أنه عمه ، وأنه يناله عمه لأخبرتك عنه بما لم أكذب . قال : فاعرض عنها مروان ، وقال : يا أمير المؤمنين ، أتكلم أم أسكت ؟ قال : تكلم فقال : بأبي أنت وأمي والله لوددت أن مقالتك هذه كانت وأنت ممتنع ، فكنت أول من رضي بها ، وأعان عليها ؛ ولكنك قلت ما قلت حين قد بلغ الحزام الطبيبين ، وبلغ السيل الزبى ، وحين أعطى الخطة الذليلة الذليل ، والله لإقامة على خطيئة يستغفر منها ، أحسن من توبه يخاف عليها ، وأنت إن شئت تقر بالتوبة ، ولم تقر بالخطيئة ، وقد اجتمع بالباب أمثال الجبال من الناس .