كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 19)

"""""" صفحة رقم 302 """"""
فقال عثمان : فأخرج إليهم وكلمهم ، فإنى استحي أن أكلمهم ، فخرج مروان إلى الباب والناس يركب بعضهم بعضاً ، فقال : ما شأنكم ؟ قد اجتمعتم كأنكم قد جئتم لنهب ، شاهت الوجوه إلا من أريد ، جئتم تريدون أن تنزعوا ملكنا من أيدينا ، أخرجوا عنا ، والله لئن رمتمونا ليمرن عليكم منا أمر لا يسركم ، ولا تحمدوا غب رأيكم ، ارجعوا إلى منازلكم ، فإنا والله مانحن بمغلوبين على ما في أيدينا .
فرجع الناس ، وأتى بعضهم علياً فأخبره الخبر ، فأقبل الناس على عبد الرحمن بن الأسود بن عبد بغوث فقال : أحضرت خطبة عثمان ؟ قال : نعم ، قال : أفحضرت مقالة مروان للناس ؟ قال : نعم ، فقال علي : أي عباد الله ، ياللمسلمين إني إن قعدت في بيتي قال لي : تركتني وقرابتي قرابتي وحقي وإني إن تكلمت فجاء ما يريد يلعب به مروان ، فصار سيقه له يسرقه حيث يشاء ، بعد كبر السن ، وصحبة الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) . وقام مغضبا حتى دخل على عثمان فقال له : أما رضيت من مروان ولا رضى منك إلا بتحرفك عن دينك ، وعن عقلك ، مثل جمل الظعينة . يقاد حيث يشاء ربه . والله ما مروان بذي رأي في دينه ولا نفسه ، ولا وايم الله إنى لأراه يوردك ثم لا يصدرك ، وما أنا عائد بعد مقامي هذا لمعاتبتك ، أذهبت شرفك ، وغلبت على رأيك .
فلما خرج علي دخلت على عثمان امرأته نائلة فقالت : قد سمعت قول علي لك ، وليس يعاودك ، وقد أطعت مروان يقودك حيث شاء قال : فما أصنع ؟ قالت : تتقي الله ، وتتبع سنة صاحبيك ؛ فإنك متى أطعت مروان قتلك ، ومروان ليس له عند الناس قدر ولا هيبة ولا محبة ؛ وإنما تركك الناس لمكانه ، فأرسل إلى علي فاستصلحه فإن له قرابة منك ، وهو لا يعصى .
فأرسل عثمان إلى علي فلم يأته وقال : قد أعلمته أني غير عائد ، فبلغ مروان مقالة نائلة فيه ، فجلس بين يدي عثمان فقال : ياابنة الفرافصة ، فقال عثمان : لا تذكرنها بحرف ، أسوي وجهك ، فهي والله انصح لي منك ، فكف مروان .
وأتى عثمان إلى علي بمنزله ليلاً وقال له : إني غير عائد ، وإني فاعل ، فقال له علي : بعد ما تكلمت على منبر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، وأعطيت من نفسك ، ثم دخلت بيتك . فخرج مروان إلى الناس يشتمهم على بابك ويؤذيهم

الصفحة 302