كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 19)
"""""" صفحة رقم 306 """"""
قال : أعطهم ، فوالله لأفين لهم . فخرج على إلى الناس فقال لهم : إنما طلبتم الحق وقد أعطيتموه ، وقد زعم أنه منصفكم من نفسه ومن غيره ، فقال الناس : قبلنا ، فاستوثق منه لنا ؛ فإنا لنا نرضى بقول دون فعل ، فدخل عليه على فأعلمه ، فقال : أضرب بيني وبينهم أجلاً يكون لي فيه مهلة ، فإنه لا أقدر على رد ما كرهوا في يوم واحد منك . فقال له علي : أما ما كان بالمدينة فلا أجل لك فيه ، وما غاب فأجله وصول أمرك . قال : نعم ، فأحلني فيما في المدينة ثلاثة أيام ، فأجابه إلى ذلك .
وكتب بينهم كتاباً على رد كل مظلمة ، وعزل كل عامل كرهوه ، فكف الناس عنه ، فجعل يتأهب للقتال ، ويستعد بالسلاح ، واتخذ جنداً . فلما مضت الأيام الثلاثة ولم يغير شيئاً ثار به القوم .
وخرج عمرو بن حزم إلى المصريين فأعلمهم الخبر ، وهم بذى خشب ، فقدموا المدينة وطلبوا منه عزل عماله ، ورد مظالمهم . فقال : إن كنت استعمل من أردتم ، وأعزل من كرهتم ، فلست في شيء من الأمر ، والأمر أمركم . فقالوا : والله لتفعلن أو لتخلعن أو لتقتلن . فأبى عليهم ، فحصروه ، واشتد الحصار ، فأرسل إلى علي وطلحة والزبير فحضروا ، فأشرف عليهم وقال يا أيها الناس ، أجلسوا ، فجلس المحارب والمسالم ، ثم قال : يا أهل المدينة ، استودعكم الله ، واسأله أن يحسن عليكم الخلافة من بعدي ، ثم قال : أنشدكم بالله هل تعلمون أنكم دعوتم الله عند مصاب عمر أن يختار لكم ، وأن يجمعكم على خيركم أتقولون إن الله لم يستجب لكم ، وهنتم عليه ، وأنتم أهل حقه أم تقولون : هان على الله دينه ، فلم يبال من ولي ، والذين لم يتفرق أهله حينئذ ؟ أم تقولون : لم يكن أخذ عن مشورة ، إنما كان عن مكابرة فوكل الله الأمة إذ عصته ولم يشاوروا في الإمامة أم تقولون : إن الله لم يعلم عاقبة أمري وأنشدكم بالله أتعلمون لي سابقة خير وقدم خير قدم الله لي ما يوجب على كل من جاء بعدي أن يعرفوا لي فضلها ، فمهلاً لا تقتلوني فإنه لا يحل إلا قتل ثلاثة رجل زنى بعد أحصانه ، أو كفر بعد إيمانه ، أوقتل نفساً بغير حق . فإنكم إن قتلتموني وضعتم السيف على رقابكم ، ثم لم يرفع الله عنكم الاختلاف أبداً .
قالوا : أما ما ذكرت من استخارة الناس بعد عمر ، ثم ولوك فإن كل ما صنع الله الخيرة ، ولكن الله جعلك بلية ابتلى بها عبادة .
وأما ما ذكرت من قدمك وسلفك مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقد كنت كذلك ، وقد كنت أهلاً للولاية ، ولكن أحدثت ما علمته ، ولا نترك إقامة الحق عليك مخافة الفتنة عاماً قابلاً .