كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 19)
"""""" صفحة رقم 307 """"""
وأما قولك : إنه لا يحل إلا قتل ثلاثة ، فإنا نجد في كتاب الله قتل غير الثلاثة الذين سميت ، قتل من سعى في الأرض فساداً ، أو قتل من بغي ، ثم قاتل على بغيه ، قتل من حال دون شيء من الحق ومنعه وقال دونه وقد بغيت ومنعت الحق وحلت دونه ، وكابرت عليه ، ولم تقد من نفسكم من ظلمت ، وقد تمسكنت الإمارة عليها فإن زعمت أنك لم تكابرنا عليه فإن الذين قاموا دونك ومنعوك منا إنما يقاتلون لتمسكك بالإمارة ، فلو خلعت نفسك لانصرفوا عن القتال معك .
فسكت عثمان ولزم الدار ، وأمر أهلا المدينة بالرجوع ، وأقسم عليهم فرجعوا ، إلا الحسن بن علي ، ومحمد بن طلحة ، وعبد الله بن الزبير وأشباها لهم ، واجتمع إليهم ناس كثير ، وكانت مدة الحصار أربعين يوما ، فلما مضت ثماني عشرة ليلة ، قدم ركبان من الأمصار فأخبروا خبر من تهيأ لهم من الجنود ، فحالوا بين الناس وبينه ، ومنعوه كل شيء حتى الماء ، فارسل إلى علي سراً ، وإلى طلحة والزبير ، و إلى أزواج رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، يقول لهم : إنهم قد منعوني الماء ، فإن قدرتم أن ترسلوا إلينا ماء فافعلوا ، فكان أولهم إجابة علي ، وأم حبيبة ، فجاء علي في الناس فقال : ياأيها الناس ، إن الذي تفعلون لا يشبه أمر المؤمنين ، ولا أمر الكافرين ، فلا تقطعوا عن هذا الرجل الماء ولا المادة فإن الروم وفارس لتأسر فتطعم ، وتسقي .
فقالوا : لا والله ولا نعمة عين ، فرمى بعمامته في الدار بأنى قد نهضت ورجع ، وجاءت أم حبيبة على بغلة لها إداوة ، فضربوا وجه بغلتها فقالت : إن وصايا بني أمية عند هذا الرجل ، فأحببت أن أساله عنها لئلا تهلك أموال الأيتام والأرامل ، فقالوا : كاذبة ، وقطعوا حبل البغلة بالسيف ، فنفرت ، وكادت تسقط عنها ، فتلقاها الناس ، ثم ذهبوا بها إلى منزلها .
فاشرف عثمان يوماً ، فسلم عليهم ، ثم قال : أنشدكم الله ، هل تعلمون أني اشتريت بئر رومة من مالي ليستعذب بها ، فجعلت رشائي فيها كرجل من المسلمين ؟ قالوا : نعم ، قال : فلم تمنعوني أن اشرب منها حتى أفطر على ماء الملح ثم قال : أنشدكم الله هل تعلمون أني اشتريت أرض كذا وكذا فزدتها في المسجد ؟ قيل : نعم .
قال : فهل علمتم أن أحداً منع أن يصلي فيه قبلي ؟ ثم قال : أنشدكم الله هل تعلمون أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال عني كذا وكذا أشياء في شأنه ؟