كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 19)

"""""" صفحة رقم 315 """"""
وإني أقص عليكم خبره لأنى مشاهدة أمره كله حتى أفضى إليه .
إن أهل المدينة حصروه في داره يحرسونه ليلهم ونهارهم ، قياماً على أبوابه بسلاحهم يمنعونه كل شيء قدروا عليه حتى منعوه الماء يحضرونه الأذى ، ويقولون له الإفك . فمكث هو ومن معه خمسين ليلة ، وأهل مصر قد أسندوا أمرهم إلى محمد بن أبي بكر وعمار بن ياسر ، وكان على مع المحرضين للمصريين في أهل المدينة ، ولم يقاتل مع أمير المؤمنين ولم ينصره ، ولم يأمر بالعدل الذي امر الله تبارك وتعالى به ، فظلت تقاتل خزاعة ، وبكر ، وسعد بن أبي بكر ، وهذيل وطوائف من مزينة ، وجهينة ، وأنباط يثرب ، ولا أرى سائرهم ، ولكني قد سميت الذين كانوا أشد الناس عليه في اول أمره وآخره ثم إنه رمي بالنبل والحجارة ، فقتل ممن كان في الدار ثلاثة نفر ، فأتوه يصرخون إليه ليأذن لهم في القتال ، فنهاهم عنه ، وأمرهم أن يردوا إليهم نبلهم فردوها إليهم ، فلم يزدهم ذلك على القتال جرأة في الأمر وإغراقاً ، ثم أحرقوا باب الدار .
فجاءه نفر من أصحابه وقالوا : إن في المسجد ناساً يريدون أن يأخذوا أمر الناس بالعدل ، فأخرج إلى المسجد حتى يأتوك ، فانطلق ، وقد كان نفر من قريش على عامتهم السلاح ، فلبس درعه ، وقال لأصحابه : لولا أنتم مالبست درعا ، فوثب عليه القوم ، فكلمهم الزبير ، واخذ عليهم الميثاق في صحيفة ، بعث بها إلى عثمان رضي الله عنه : إن عليكم عهد الله وميثاقه ألا تعروه بشيء فكلموه وتخرجوا ، فوضع السلاح فلم يكن إلا وضعه حتى دخل عليه القوم يقدمهم بن أبي بكر ؛ حتى أخذوه بلحيته ودعوه باللقب ، فقال : أنا عبد الله وخليفته ، فضربوه في رأسه ثلاث ضربات ، وطعنوه في صدره ثلاث طعنات ، وضربوه على مقدم الجبين فوق الأنف ضربة أسرعت في العظم ، فسقطت عليه ، وقد اثخنوه وبه حياة ، وهم يريدون قطع رأسه ليذهبوا به فأتتني بنت شيبة بن ربيعة ، فألقت بنفسها معي عليه ، فوطئنا وطئاً شديداً أو عريباً من ثيابنا ، وحرمه أمير المؤمنين أعظم ، فقتلوه رحمة الله في بيته ، وعلى فراشه .
وقد أرسلت إليكم بثوبه ، وعليه دمه ، وإنه والله لئن كان أثم من قتله لا يسلم من خذله ، فانظروا اين أنتم من الله عز وجل ، فإنا تشتكي مامسنا إليه ونستنفر وليه ، وصالح عباده . ورحمة الله على عثمان ، ولعن الله من قتله ، وصرعهم في الدنيا والآخرة مصارع الخزي والمذلة ، وشفى منهم الصدور .

الصفحة 315