كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 19)
"""""" صفحة رقم 33 """"""
فقال : ما أجفاك أتكذب الملك صدق الملّك ، وعرفت الآن أنك تائب مما أطّلع عليه منك ، ثم خرج فأتانا فقال : يا جشيش ، يا فيروز ، يا داذويه إنه قد قال وقلت : فما الرأي ؟ فقلنا : نحن على حذر ؛ فإنا في ذلك ، إذ أرسل إلنيا ؛ فقال : ألم أشرفكم على قومكم ألم يبلغني عنكم فقلنا : أقلنا مرّتنا هذه ؛ فنجونا ، ولم نكد ، وهو في ارتباب من أمرنا وأمر قيس ، ونحن في ارتياب وعلى خطر عظيم ؛ إذ جاءنا اعتراض عامر بن شهر وذي زود وذي مرّان وذي الكلاع وذي ظليم عليه ، وكاتبونا وبذلوا لنا النّصر ، وكاتبناهم ؛ وأمرناهم ألا يحركوا شيئا حتى نبرم الأمر ، وإنما اهتاجوا لذلك حين جاء كتاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إليهم . وكتب التبي ( صلى الله عليه وسلم ) إلى أهل نجران ، إلى عربهم وساكني الأرض من غير عربهم ، فتنحّوا ، وانضمّوا إلى مكان واحد . وبلغه ذلك ، وأحس بالهلاك ، وفرّق لنا الرأي ، فدخلت على آزاد - وهي امرأته - فقلت : يابنت عمّ ، قد عرفت بلاء هذا الرجل عند قومك ؛ قتل زوجك ، وطأطأ في قومك القتل ، وسفل بمن بقي منهم ، وفضح النساء ، فقالت : أو قتله ، قالت : نعم والله ما خلق الله شخصّا أبغض إلىّ منه ؛ ما يقوم الله على حقّ ، ولا ينتهي له عن حرمه ، فإذا عزمتم فأعلموني أخبركم بمأتي هذا الأمر . فأخرج فإذا فيروز وداذويه ينتظراني ، وجاء قيس ونحن نريد أن نناهضه ، فقال له رجل قبل أن يجلس إلينا : الملك يدعوك ، فدخل في عشرة من مذحج وهمذان فلم يقدر على قتله معهم .
فقال : يا عبهلة بن كعب بن غوث ، أمنّى تحصّن بالرجال ألم أخبرك الحق وتخبرني الكذابة إنه يقول : يا سوءة ، إلا تقطع من قيس يده ، يقطع قنّتك العليا ، حتى ظنّ أنه قاتله .
فقال : إنه ليس من الحقّ أن أقتلك وأنت رسول الله ؛ فمرني بما أحببت ، فأما الخوف والفزع فأنا فيهما مخافة أن تقتلني ، وإمّا قتلتني فموته أهون علىّ من موتات أموتها كلّ يوم . فرقّ له وأخرجه ؛ فخرج إلينا ، فأخبرنا . وقال : اعملوا عملكم ، وخرج إلينا في جمع ، فقمنا مثولاً له ، وبالباب مائة ما بين بقرة وبعير ، فقام وخطّ خطّا ، وأقيمت من ورائه ، وقام من دونها فنحرها غيرها غير محبسّة ولا معقّلة ، ثم خلاّها ما يقتحم الخطّ منها شيء ، ثم خلاها فجالت إلى أن زهقت .