كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 19)
"""""" صفحة رقم 34 """"""
فما رأيت أمراً كان أفظع منه ، ولا يوماً أوحش منه ، ثم قال : أحق ما بلغني عنك يا فيروز ؟ - وبوّأ له الحربة - لقد هممت أن أنحرك فأتبعك هذه البهيمة ؛ فقال : اخترتنا لصهرك ، وفضّلتنا على الأنباء ، فلو لم تكن نبياً ما بعنا نصبينا منك بشيء ، فكيف وقد اجتمع لنا بك أمر آخرة ودينا لا تقبلن علينا أمثال ما يبلغك ؛ فإنا بحيث تحبّ ؛ فقال : اقسم هذه ، فأنت أعلم بمن هنا . فاجتمع إلى أهل صنعاء ، وجعلت آمر للرهط بالجزور ، ولأهل البيت بالبقرة ، ولأهل الحلّة بعدّة ، حتى أخذ أهل كلّ ناحية بقسطهم . فلحق به قبل أن يصل إلى داره - وهو واقف علىّ - رجل يسعى إليه بفيروز ، فاستمع له ، واستمع له فيروز ، وهو فيقول : أنا قاتله غداً وأصحابه ، فاغد علىّ ، ثم التفت فإذا به ؛ فقال : مه فأخبره بالّذي صنع ؛ فقال : أحسنت ، وضرب دابّته داخلاً ، فرجع إلينا فأخبرنا بالخبر ، فأرسلنا إلى قيس ، فجاءنا ، فأجمع ملؤهم أن أعود إلى المرأة ؛ فأخبرها بعزيمتنا لتخبرنا بما تأمر ، فأتيت المرأة ، وقلت : ما عندك ؟ قالت : هو متحرز متحرّس ، وليس من القصر شيء إلا والحرس محيطون به غير هذا البيت ؛ فإن ظهره إلى مكان كذا وكذا من الطريق ، فإذا أمسيتم فانقبوا عليه ، فإنكم من دون الحرس ؛ وليس دون قتله شيء . وقالت : إنكم سترون فيه سراجاً وسلاحاً ، فخرجت فتلقّاني الأسود خارجاً من بعض منازله ؛ فقال : ما أدخلك علىّ ؟ ووجأ رأسي حتى سقطت ؛ وكان شديداً ، وصاحت المرأة فأدهشته عنّي ؛ ولولا ذلك لقتلني ؛ وقالت : ابن عمي جاءني زائرا ؛ فقال : اسكتي لا أبا لك فقد وهبته لك فتزيّلت عني فأتيت أصحابي فقلت النجاة الهرب وأخبرتهم الخبر ، فإنّا على ذلك حيارى إذ جاءني رسولها : لا تدعنّ ما فارقتك عليه ، فإني لم أزل به حتى اطمأنّ . فلمّا أمسينا عملنا في أمرنا ، وقد واطأنا أشياعنا ، وعجلنا عن مراسلة الهمدانيين والحميريين ، فنقبنا البيت من خارج ، ثم دخلنا وفيه سراج تحت جفنة ، والتقينا بفيروز - وكان أنجدنا وأشدنا - فقلنا : انظر ماذا ترى ؟ فخرج ونحن بينه وبين الحّرس معه في مقصورته ، فلمّا دنا من باب البيت سمع غطيطا شديداً ، فإذا المرأة جالسة ، فلمّا قام على الباب أجلسه الشيطان ، فكلّمه على لسانه وإنه ليغطّ جالساً . وقال أيضاً :