كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 19)

"""""" صفحة رقم 36 """"""
وعن فيروز ؛ قال : قتلنا الأسود ، وعاد أمرنا كما كان ، إلا أنّا أرسلنا إلى معاذ ؛ فتراضينا عليه ، فكان يصلّى بنا في صنعاء ، فو الله ما صلّى بنا إلا ثلاثا ونحن راجعون مؤمّلون ، حتى أتي الخبر بوفاة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، فانتقضت الأمور ، وأنكرنا كثيرا ممّا كنا نعرف ، واضطربت الأرض .
وكانت مدّة العنسىّ من حين ظهور أمره إلى أن قتل ثلاثة أشهر . وعن الضحاك بن فيروز ، قال : كان ما بين خروجه بكهف خبّان إلى مقتله نحوا من أربعة أشهر ، وقد كان قبل متسرّاً بأمره حتى نادى بعد . وقال أبو بشر الدّولابي : إنه قتل في خلافه أبي بكر رضي الله عنه . والله أعلم . وقيل : أتي الخير بمقتله إلى المدينة في آخر ربيع الأوّل ، سنة إحدى عشرة ، بعد إنفاذ جيش أسامة بن زيد ، فكان ذلك أول فتح لأبي بكر الصديق رضي الله عنه . روى أبو عمر بن عبد البر بسند يرفعه إلى شرحبيل بن مسلم الخولاني أن الأسود بعث إلى أبي مسلم عبد الله الخولاني ، فلما جاءه قال : أتشهد أنّي رسول الله ؟ قال : ما أسمع ، قال : أتشهد أن محمداً رسول الله ؟ قال : نعم فردد ذلك عليه كل ذلك يقول ، فردّد ذلك يقوم مثل ذلك . قال : فأمر بنار عظيمة فأجّجت ، ثم ألقى فيها أبا مسلم ، فلم تضرّه شيئاً . فقيل له : انفه عنك والا أفسد عليك من اتبعك ، فأمره بالرّحيل ، فأتى أبو مسلم المدينة وقد قبض رسول الله صلّى الله عليه وسلّم واستخلف أبو بكر الصديق رضي الله عنه ، فأناخ أبو مسلم راحلته بباب المسجد ، وقام فصلّى إلى سارية ، وبصربه عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال : ممّن الرجل ؟ فقال : من أهل اليمن ، قال : ما فعل الذي أحرقه الكذّاب بالنار ؟ قال : ذاك عبد الله بن ثوب ، وقال : أنشدك الله أنت هو قال : اللّهم نعم ، قال : فاعتنقه عمر ، وبكى . ثم ذهب به حتى أجلسه فيما بينه وبين أبي بكر ، ثم قال : الحمد لله الذي لم يمتنى حتى أرى في أمّة محمد صلّى الله عليه وسلّم من فعل به كما فعل بإبراهيم خليل الله صلّى الله عليه وسلّم . هذا ما كان من أمر العنسىّ ، وأمّا بقية الكذّابين ؛ فسنذكر أخبارهم عند ذكرنا تجهيز أبي بكر الجيوش إن شاء الله تعالى .

الصفحة 36