كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 19)
"""""" صفحة رقم 48 """"""
في بنى مازن ، وقد كرهوا ما صنع مالك ، فلما جاءت رسلها إلى بنى مالك تطلب الموادعة أجابها إلى ذلك وكيع بن مالك فاجتمع وكيع ومالك بن نويرة وسجاح ، وقد وادع بعضهم بعضاً ، واجتمعوا على قتال الناس ، وقالوا : بمن نبدأ ؟ بخضّم أم ببهدى ، أم بعوف والأنباء ، أم بالرّباب ؟ وكفّوا عن قيس بن عاصم لما رأوا من تردّده وطمعوا فيه . فقالت سجاح : " أعدّوا الركاب ، واستعدّوا للنّهاب ، ثم أغيروا على الرّباب ، فليس دونهم حجابّ " ، وصمدت سجاح للأحفار حتى تنزل بها ، وقالت لهم : " إنّ الدّهناء حجاز بنى تميم ، ولن تعدو الرّباب ، إذا شدّها المصاب ، أن تكون بالدّجانى والدّهانى ، فلينزلها بعضكم " .
فتوجّه مالك بن نويرة إلى الدّجانى فنزلها ، وسمعت بهذا الرّباب ، فاجتمعوا لها : ضبّتها وعبد مناتها ، فولى وكيع وبشر بنى بكر بن ضبّة ، وولى ثعلبة بن سعد عقّة ، وولى عبد مناة الهذيل ، فالتقى وكيع ويشر وبنو بكر من بني ضبة فهزما وأسر سماعة ووكيع وقعقاع ، وقتلت قتلى كثيرة ، فاجتمع بعد ذلك رؤساء أهل الجزيرة ، وقالوا لسجاح : ماذا تأمريننا ؛ فقد صالح مالك ووكيع قومهما فلا ينصروننا ؟ فقالت : اليمامة ؛ فقالوا : إنّ شوكة أهل اليمامة شديدة ، وقد غلظ أمر مسيلمة فقالت : " عليكم باليمامة ، ودفّوا دفيف الحمامة ، فإنها غزوة صرّامة ، ولا يلحقكم بعدها ملامة " ، فنهدت لبنى حنيفة ، وبلغ ذلك مسيلمة فهابها ، وخاف إن هو شغل بها أن يدهمه شرجبيل بن حسنة والقبائل ، فأهدى لها ، ثم أرسل إليها يستأمنها على نفسه حتى يأتيها .
فأنزلت الجنود على الأمواه له وأمّنته ، فجاءها في أربعين من بنى حنيفة . وكانت سجاح راسخةً في النّصرانية ، قد علمت من علم نصارى تغلب ، فقال لها مسيلمة : لنا نصف الأرض ، وكان لقريش نصفها لو عدلت ، وقد ردّ الله عليك النصف الذي ردت قريش ، فحباك به ، وكان لها لو قبلت ؛ فقالت : " لا تردّ النّصف إلاّ من حنف ، فاحمل النّصف إلى خيل تراها كالسّهف " فقال مسيلمة : " " سمع الله لمن سمع ، وأطعمه بالخير إذا طمع ، ولا زال أمره في كلّ ما سرّ نفسه يجتمع . رآكم ربّكم فحيّاكم ، ومن وحشة خلاّكم ، ويوم دينه أنجاكم فأحياكم ، علينا من صلوت معشر أبرار ؛ لا أشقياء ولا فجّار ، يقومون الليل ويصومون النهار ، لربّكم الكبار ، ربّ الغيوم والأمطار " .