كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 19)

"""""" صفحة رقم 5 """"""
ولنبدأ من أخباره رضى اله عنه بذكر شيء من فضائله ، والله المستعان ، وعليه التّكلان .
ذكر نبذة من فضائل أبي بكر الصديق ومآثره في الجاهلية والإسلام
كان رضى الله عنه في الجاهلية وجيهاّ ، رئيسا من رؤساء قريش ، وإليه كانت الإشناق في الجاهلية - والأشناق الدّيات - فكان إذ حمل شيئا قالت فيه قريش : صدّقوه ، وامضوا حمالته وحمالة من قام معه أبو بكر ، وإن احتملها غيره خذلوه ولم يصدّقوه .
وكان رضى الله عنه ممّن حرّم الخمر على نفسه ، وتنزّه عنها في الجاهلية ، وكانت أشراف قريش تختلف إليه وتزوره ، وتستشيره وتقتدي برأيه ، وتتربص في الأمور المعضلة إذا غاب إلى أن يقدم ، ويدلّ على ذلك ما قدّمناه في أوائل السّيرة النبوّية من خبره مع الشيخ الكبير الأزدىّ في سفره إلى اليمن ، وما بشّره الأزدى به من مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلّم ، وأنّه يعاونه على أمره ، وأنّ أبا بكر رضى الله عنه لمّا رجع إلى مكّة ، جاءه شيبة بن ربيعة وأبو جهل ابن هشام وأبو البخترىّ ، وعقبة بن أبي معيط ، ورجالات قريش مسلمين عليه . وقولهم له : حدث أمر عظيم ؛ هذا محمد بن عبد الله يزعم أنه نبىّ أرسله الله إلى الناس ، ولولا أنت ما انتظرنا به ؛ فإذ جئت فأنت النّهية ، وقد تقدم ذكر هذه القصة في المبشرات برسول الله صلى الله ( صلى الله عليه وسلم ) .
ومثل ذلك لا ينتظر به إلا من لا يمكن أن يقطع الأمر دونه . وفى هذا أقوى دلالة على فضله وشرفه ، ومكانته لديهم . وكان أنسب قريش لقريش ، وأعلم قريش بما فيها من خير وشر .
وأما فضائله رضى الله عنه ومناقبه في الإسلام فكثيرة جداً ، قد أبانه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بفضائل ومناقب ، وخصّه بمزايا لم يخص بها غيره ، وذكره في مواطن لم يذكر فيها سواه .

الصفحة 5