كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 19)

"""""" صفحة رقم 51 """"""
ولم يتجبرا ، وأخرجا الصدقات واستقبلابها خالد بن الوليد ، فقال خالد : ما حملكما على موادعة هؤلاء القوم ؟ فقالا : ثأركنا نطلبه في بني ضبة فسار خالد يريد البطاح دون الحزن ، وعليها مالك بن نويرة ، وقد ترددت الأنصار على خالد ، وتخلفت عنه . وقالوا : ما هذا بعهد الخليفة إلينا ، إن الخليفة عهد إلينا إن نحن فرغنا من البزاخة واستبرأنا بلاد القوم أن نقيم حتى يكتب إلينا ؛ فقال خالد : إن يك عهد إليكم هذا ، فقد عهد إلى أن أمضى ، وأنا الأمير ، وإلى تنتهي الأخبار ، ولو أنه لم يأتني له كتاب ولا أمر ، ثم رأيت فرصة فكنت إن أعلمته فاتتنى لم أعلمه حتى أنتهزها ، وكذا لو ابتلينا بأمر ليس منه عهد إلينا فيه لم ندع أن نرى أفضل ما بحضرتنا ثم نعمل به ، وهذا مالك بن نويرة بحيالنا ، وأنا قاصد له ومن معي من المهاجرين والتابعين بإحسان ، ولست أكرهكم .
ومضى خالد ، وندمت الأنصار وتذامروا ، وقالوا : إن أصاب القوم خيراً ، إنه لخير حرمتوه ، وإن أصابتهم مصيبة ليجتنبنكم الناس ، فاجمعوا اللحاق بخالد ، وجردوا إليه رسولا ، فأقام عليهم حتى لحقوا به ، ثم سار ح 0 تى لحق البطاح ، فلم يجدوا به أحداً . ووجد مالك بن نويرة قذفرقهم في أموالهم ، ونهاهم عن الاجتماع حين تردد عليه أمره ، وقال : يا بني يربوع ، إنا قد كنا عصينا أمراءنا إذ دعونا إلى هذا الأمر فوجدت الأمر لا يتأنى لهم بغير سياسة ، فإياكم ومناوأة قوم صنع لهم ، فتفرقوا إلى دياركم ، وادخلوا في هذا الأمر . فتفرقوا على ذلك إلى أموالهم .
وخرج مالك بن نويرة حتى رجع إلى منزله . فلما قدم خالد البطاح بث السرايا وامرهم بداعية الإسلام أن يأتوه بكل من لم يجب ، وإن امتنع أن يقتلوه . فجاءته الخيل بمالك بن نويرة في نفر معه من بني ثعلبة بن يربوع ، من عاصم وعبيد ، وعرين وجعفر ، فاختلفت السرية فيهم ، وفيهم أبو قتادة - وكان ممن شهد أنهم قد أذنوا وأقاموا وصلوا - فلما اختلفوا فيهم أمر بهم خالد فحبسوا في ليلة باردة لا يقوم لها شىء ، وجعلت تزداد بردا ، فامر خالد منادياً فنادى : أدفئوا أسراكم . وكانت في لغة كنانة إذا قالوا : دثروا الرجل فأدفئوه ، كان دفؤه قتله ، فظن القوم - وهي لغتهم القتل - أنه أراد القتل ، فقتلوهم ، فقتل ضرار بن الأزور مالكاً ، وسمع خالد الواعية ، فخرج وقد فرغ منهم فقال : إذا أراد الله أمراً أصابه .

الصفحة 51