كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 20)
"""""" صفحة رقم 103 """"""
هدىً من الله ، فلم يعملا بالسنة ، ولم ينفذا للقرآن حكماً ، فبرئ الله منهما ورسوله والمؤمنون ، فإذا بلغكم كتابي هذا فأقبلوا إلينا ، فإنا سائرون إلى عدونا وعدوكم ، ونحن على الأمر الأول الذي كنا عليه " .
فكتبوا إليه : " أما بعد فإنك لم تغضب لربك ، وإنما غضبت لنفسك ، فإن شهدت على نفسك بالكفر واستقبلت التوبة ، نظرنا فيما بيننا وبينك ، وإلا فقد نابذناك على سواء إن الله لا يحب الخائنين " . فلما قرأ كتابهم أيس منهم ، ورأى أن يدعهم ويمضي بالناس حتى يناجز أهل الشام فقام في أهل الكوفة فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : " أما بعد فإنه من ترك الجهاد في الله وداهن في أمره كان على شفا هلكة ، إلا أن يتداركه الله بنعمته ، فاتقوا الله تعالى ، وقاتلوا من حاد الله ، وحاول أن يطفئ نور الله ، وقاتلوا الخاطئين الضالين القاسطين ، الذين ليسوا بقراء القرآن ولا فقهاء في الدين ، ولا علماء بالتأويل ، ولا لهذا الأمر بأهل في سابقة الإسلام ، والله لو ولوا عليكم لعملوا فيكم بأعمال كسرى وهرقل ، تيسروا للمسير إلى عدوكم من أهل المغرب ، وقد بعثنا إلى إخوانكم من أهل البصرة ليقدموا عليكم ، فإذا اجتمعتم أيس أ شخصنا إن شاء الله تعالى ، ولا حول ولا قوة إلا بالله " .
وكتب إلى ابن عباس رضي الله عنه : " أما بعد فإنا خرجنا إلى معسكرنا بالنخيلة ، وقد أجمعنا على المسير إلى عدونا من أهل المغرب ، فاشخص إلى الناس حتى يأتيك رسولي ، وأقم حتى يأتيك أمري ، والسلام عليك " .
فقرأ ابن عباس الكتاب على الناس ، وندبهم مع الأحنف بن قيس ، فشخص ألف وخمسمائة ، فخطبهم وقال : " يا أهل البصرة ، أتاني كتاب أمير المؤمنين ، فأمرتكم بالنفير إليه ، فلم يشخص منكم إلا ألف وخمسمائة ، وأنتم ستون ألف مقاتل سوى أبنائكم وعبيدكم . ألا انفروا مع جارية ابن قدامة السعدي ، ولا يجعلن رجل على نفسه سبيلا ، فإني موقع بكل من وجدته متخلفاً عن دعوته ، عاصياً لإمامه ، فلا يلومن رجل إلا نفسه " .
فخرج جارية واجتمع إليه ألف وسبعمائة ، فوافوا علياً وهم ثلاثة آلاف ومائتان .