كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 20)
"""""" صفحة رقم 115 """"""
وبلغ علياً أن مصقلة أعتق الأسارى ولم يسألهم أن يعينوه بشيء ، فقال : ما أظن مصقلة إلا قد تحمل حمالة سترونه عن قريب منها ملبدا ، وكتب إليه بحمل المال أو يحضر عنده ، فحضر عنده ، وحمل من المال مائتي ألف . قال ذهل ابن الحارث : فاستدعاني مصقلة ليلة فطعمنا ، ثم قال : إن أمير المؤمنين يسألني هذا المال ولا أقدر عليه . فقلت : " والله ما كنت لأحملها قومي ؛ أما والله لو كان ابن هند ما طالبني بها ، ولو كان ابن عفان لوهبها لي " . قال فقلت : إن هذا لا يرى ذلك الرأي ، لا يترك منها شيئاً . فهرب مصقلة من ليلته فلحق بمعاوية .
وبلغ علياً ذلك فقال : ما له أقرحه الله فعل فعل السيد وفر فرار العبد ، وخان خيانة الفاجر ، أما إنه لو أقام فعجز ما زدنا على دينه ، فإن وجدنا له شيئاً أخذناه وإلا تركناه " . ثم سار علي إلى داره فهدمها ، وأجاز عتق السبي ، وقال : أعتقهم مبتاعهم وصارت أثمانهم وكان أخوه نعم بن هبيرة شيعة لعلي ، فكتب إليه مصقلة من الشام مع رجل من نصارى تغلب ، اسمه حلوان يقول له : " إن معاوية قد وعدك الإمارة والكرامة ، فأقبل ساعة يلقاك رسولي والسلام عليك فأخذه مالك بن كعب الأرحبي فسرحه إلى علي رضي الله عنه ، فقطع على يده ، فمات . وكتب نيم إلى أخيه يلومه على لحاقه بالشام ، وما فعله من هربه . . وأتاه التغلبيون فطلبوا منه دية صاحبهم فوداه لهم . وقال مصقلة :
لعمري لئن عاب أهل العراق . . . عليّ انتعاش بني ناجيه
لأعظم من عتقهم رقهم . . . وكفّي بعتقهمو حاليه
وزايدت فيهم لإطلاقهم . . . وغاليت إن العلا غاليه
وحيث ذكرنا من أخبار على ما قدمناه ، فلنذكر ما وقع في مدة خلافته خلاف ذلك على حكم السنين .