كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 20)

"""""" صفحة رقم 118 """"""
سبيلاً ، وأقربهم من رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وسيلة ، وتأمرني بالدخول في طاعتك ، طاعة أبعد الناس من هذا الأمر ، وأقولهم بالزور ، وأضلهم سبيلا ، ولد ضالين مضلين ، طاغوت من طواغيت إبليس . وأما قولك : إني مالئ عليك مصر خيلاً ورجالاً ، فوالله إن لم أشغلك بنفسك حتى تكون أهم إليك إنك لذو وجد ، والسلام .
فلما رأى معاوية كتابه أيس منه ، وثقل عليه مكانه ، ولم تنجح حيله فيه فكاده ، من قبل علي ، فقال لأهل الشام : لا تسبوا قيس بن سعد ، ولا تدعوا إلى غزوه ، فإنه لنا شيعة ، تأتينا كتبه ورسله ونصيحته لنا سراً ، ألا ترون ما يفعل بإخوانكم الذين عنده من أهل خربتا ، يجري عليهم أعطياتهم وأرزاقهم ، ويحسن إليهم . وافتعل كتاباً عن قيس بالطلب بدم عثمان ، والدخول معه في ذلك ، وقرأه على أهل الشام .
فبلغ ذلك علياً فأعظمه وأكبره ، ودعا ابنيه وعبد الله بن جعفر فأعلمهم ذلك ، فقال ابن جعفر : يا أمير المؤمنين ، دع ما يريبك إلى ما لا يريبك اعزل قيساً عن مصر . فقال : والله إني لا أصدق بهذا عنه . فقال عبد الله : اعزله ، فإن كان هذا حقا لا يعتزل لك .
فبينما هم كذلك إذ جاء كتاب قيس يخبر بحال المعتزلين وكفه عن قتالهم ، فقال ابن جعفر : ما أخوفني أن يكون ذلك ممالأة منه ، فمره بقتالهم ، فكتب إليه يأمره بقتالهم ، فأجابه : " أما بعد ، فقد عجبت لأمرك تأمرني بقتال قوم كافين عنك ، مفرغيك لعدوك ومتى حاددناهم ساعدوا عليك عدوك ؛ فأطعني يا أمير المؤمنين ، واكفف عنهم ، فإن الرأي تركهم ، والسلام .
فلما قرأ الكتاب قال ابن جعفر : يا أمير المؤمنين ؛ ابعث محمد ابن أبي بكر على مصر واعزل قيساً . فبعث محمداً إلى مصر - وقيل : بعث الأشقر النخعي فمات بالطريق فبعث محمداً - فقدم محمد على قيس بمصر ، فقال له قيس : " ما بال أمير المؤمنين ؟ ما غيره ؟ أدخل أحد بيني وبينه ؟ " قال : لا ، وهذا السلطان سلطانك . قال ، لا : والله لا أقيم .

الصفحة 118