كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 20)

"""""" صفحة رقم 12 """"""
إن هذا الأمر أمر جاهلية ، وإن لهؤلاء القوم مادة .
إن الناس من هذا الأمر - إن حرك - على أمور : فرقة ترى ما ترون ، وفرقة ترى ما لا ترون ، وفرقةٌ لا ترى هذا ولا هذا حتى يهدأ الناس ، وتقع القلوب مواقعها ، وتؤخذ الحقوق . فاهدءوا عني ، وانظروا ماذا يإتيكم ، ثم عودوا " .
واشتد على قريش ، وحال بينهم وبين الخروج وتركها على حالها ، وإنما هيجه على ذلك هرب بنى أمية وتفرق القوم .
وحكى أبو عمر ابن عبد البر قال : لما بايع الناس علي بن أبي طالب دخل عليه المغيرة بن شعبة ، فقال له : " يا أمير المؤمنين ، إن لك عندي نصيحةٌ " قال : وما هي ؟ قال : إن أردت أن يستقيم لك الأمر فاستعمل طلحة على الكوفة ، والزبير على البصرة ، وابعث إلى معاوية بعهده على الشام حتى تلزمه طاعتك ، فإذا استقرت لك الخلافة فادرأهم كيف شئت برأيك " فقال علي : " أما طلحة والزبير فسأرى رأيي فيهما ، وأما معاوية فلا يراني الله مستعملاً له ولا مستعيناً به مادام على حاله ، ولكني أدعوه إلى الدخول فيما دخل فيه الناس ، فإن أبى حاكمته إلى الله تعالى " . فانصرف عنه المغيرة مغضباً لما لم يقبل منه نصيحته . . فلما كان الغد أتاه فقال : " يا أمير المؤمنين ، نظرت فيما قلت بالأمس وما جاوبتني به ، فرأيت أنك قد وفقت للخير وطلبت الحق " . ثم خرج عنه ، فلقيه الحسن وهو خارجٌ ، فقال لأبيه : ما قال هذا الأعور ؟ يعني المغيرة ، وكان المغيرة قد أصيبت عينه يوم اليرموك قال : أتاني أمس بكذا وأتاني اليوم بكذا .
قال : نصحك والله أمس وخدعك اليوم . فقال له علي : إن أقررت معاوية على ما في يده كنت متخذ المضلين عضدا .
وقال المغيرة في ذلك :
نصحت عليا في ابن هند نصيحةً . . . فردّ فلا يسمع الدهر لها ثانيه
وقلت له : أرسل إليك بعهده . . . على الشام حتى يستقرّ معاويه
ويعلم أهل الشام أن قد ملكته . . . فأمّ ابن هندٍ بعد ذلك هاويه

الصفحة 12