كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 20)

"""""" صفحة رقم 135 """"""
وعن عنترة الشيباني قال : كان علي رضي الله عنه يأخذ الجزية والخراج من أهل كل صناعة من صناعته وعمل يده ، حتى يأخذ من أهل الإبر والمسال والخيوط والحبال ، ثم يقسمه بين الناس ، ولا يدع في بيت المال مالاً يبيت فيه حتى يقسمه إلا أن يغلبه شغل ، فيصبح إليه وهو يقول . يادنيا لا تغريني وغري غيري .
وكان رضي الله عنه لا يخصص بالولايات إلا أهل الديانات والأمانات ، وإذا بلغه عن أحدهم خيانةً كتب إليه : " قد جاءكم موعظةٌ من ربكم " " وأوفوا الكيل والميزان بالقسط " " ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين . بقية الله خير لكم إن كنتم مؤمنين وما أنا عليكم بحفيظ " إذا أتاك كتابي هذا فاحتفظ بما في يديك من عملنا حتى نبعث إليك من يتسلمه منك . ثم يرفع طرفه إلى السماء فيقول : اللهم إنك تعلم أني لم آمرهم بظلم خلقك ولا بترك حقك .
ومواعظه رضي الله عنه ووصاياه لعماله إذ كان يخرجهم إلى أعماله كثيرة مشهورة ، وقد قدمنا منها في الباب الرابع من القسم الخامس ، من الفن الثاني ، من كتابنا هذا ما تقف عليه هناك ، وهو في السفر السادس من هذه النسخة .
قال أبو عمر ابن عبد البر : قد ثبت عن الحسن بن علي رضي الله عنهما من وجوه أنه قال : لم يترك أبي إلا ثمانمائة درهم أو سبعمائة درهم فضلت من عطائه ، كان يعدها بخادمٍ يشتريها لأهله وأما تقشفه في لباسه ومطعمه ، فكان من ذلك على الغاية القصوى .
روي عن عبد الله ابن أبي الهزيل قال : رأيت علياً رضي الله عنه خرج وعليه قميصٌ غليظ دارس ، إذا مد كمه بلغ إلى الظفر ، وإذا أرسله صار إلى نصف الساعد . وعن الحسن بن جرموز عن أبيه قال : رأيت علي بن أبي طالب رضي الله عنه يخرج من مسجد الكوفة وعليه قطريتان ، مؤتزراً بالواحدة مرتدياً بالأخرى ، وإزاره إلى نصف الساق ، وهو يطوف في الأسواق ، ومعه درة يأمرهم بتقوى الله وصدق الحديث ، وحسن البيع ، والوفاء بالكيل والميزان .
وعن إسحاق بن كعب بن عجرة عن أبيه قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) " علي مخشوشن في ذات الله تعالى " .

الصفحة 135