كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 20)
"""""" صفحة رقم 140 """"""
وهو يسمع ، فأجابه إلى ذلك ، ثم لم يف له به أيضاً . فأما خراج دار بجرد فإن أهل البصرة منعوه منه وقالوا : هو فيئنا ، لا نعطيه أحداً . وقيل : كان منعهم بأمر معاوية أيضاً .
وقيل : إن معاوية أجرى على الحسن رضي الله عنه بعد ذلك في كل سنة ألف ألف درهم .
وتسلم معاوية الأمر لخمس بقين من شهر ربيع الأول سنة إحدى وأربعين . وقيل : في شهر ربيع الآخر . وقيل : في جمادى الأولى في النصف منه .
وقيل : إنما سلم الحسن الأمر إلى معاوية ؛ لأنه لما راسله معاوية في تسليم الخلافة إليه خطب الناس فحمد الله وأثنى عليه وقال : " إنا والله ما يثنينا عن أهل الشام شك ولا ندم ، وإنما كنا نقاتل أهل الشام بالسلامة والصبر ، فشيبت السلامة بالعداوة والصبر بالجزع ، وكنتم في مسيركم إلى صفين ودينكم أما دنياكم ، وأصبحتم اليوم ودنياكم أمام دينكم ، ألا وقد أصبحتم بين قتيلين : قتيل بصفين تبكون له ، وقتيل بالنهروان تطلبون ثأره ، وأما الباقي فخاذل ، وأما الباكي فثائر ، ألا وإن معاوية دعانا إلى أمر ليس فيه عزٌ ولا نصفه ، فإذا أردتم الموت رددناه عليه وحاكمناه إلى الله عز وجل بظبا السيوف ، فإن أردتم الحياة قبلناه وأخذنا لكم الرضا " .
فناداه الناس من كل جانب : البقية البقية ، فأمضى الصلح . فلما عزم على تسليم الأمر إلى معاوية خطب الناس فقال : " أيها الناس ، إنما نحن أمراؤكم وضيفانكم ، ونحن أهل بيت نبيكم عليه الصلاة والسلام الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا " وكرر ذلك حتى ما بقي في المجلس إلا من بكى حتى سمع نشيجه ، وأرسل إلى معاوية وسلم إليه الأمر .
فكانت خلافة الحسن على قول من يقول " سلم الأمر في ربيع الأول " خمسة أشهر ونصف شهر ، وعلى قول من يقول " في ربيع الآخر " ستة أشهر وأياماً ، وعلى قول من يقول " في جمادى الأولى " سبعة أشهر وأياماً .
وحكى أبو عمر ابن عبد البر رحمه الله أن الحسن رضي الله عنه لما قتل أبوه بايعه أكثر من أربعين ألفاً ، كلهم قد كانوا بايعوا أباه علياً قبل موته على الموت ، ثم خرج لقتال معاوية وخرج معاوية لقتاله ، فلما تراءى الجمعان - وذلك بموضع يقال له