كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 20)

"""""" صفحة رقم 141 """"""
مسكن من أرض السواد بناحية الأنبار - علم أنه لن تغلب إحدى الفئتين حتى يذهب أكثر الأخرى ، فكتب إلى معاوية أنه يصير الأمر إليه ، على أن يشترط عليه أن لا يطالب أحداً من أهل المدينة والحجاز ولا أهل العراق بشيء مما كان في أيام أبيه ، فأجابه معاوية وكاد يطير فرحاً إلا أنه قال : أما عشرة أنفس فلا أؤمنهم ، فراجعه الحسن فيهم ، فكتب إليه يقول : إني آليت أني متى ظفرت بقيس بن سعد أن أقطع لسانه ويده . فراجعه الحسن : أني لا أبايعك أبداً وأنت تطلب قيساً أو غيره ، بتبعةٍ قلت أو كثرت ، فبعث إليه معاوية يومئذٍ برقٍ أبيض وقال : اكتب ما شئت فيه وأنا ألتزمه .
فاصطلحا على ذلك ، واشترط عليه الحسن رضي الله عنه : أن يكون له الأمر من بعده ، فالتزم ذلك كله معاوية ، فقال له عمرو بن العاص : إنه قد انفل حدهم وانكسرت شوكتهم .
فقال له معاوية : " أما علمت أنه قد بايع علياً أربعون ألفاً على الموت ؟ فوالله لا يقتلون حتى يقتل أعدادهم من أهل الشام ، ووالله ما في العيش خيرٌ بعد ذلك " . فاصطلحا على ما ذكرناه .
وكان الحسن رضي الله عنه كما قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : " إن ابني هذا سيد يصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين " قال : ولما بايع الحسن معاوية كان أصحاب الحسن يقولون له : يا عار المؤمنين . فيقول : العار خير من النار .
وروى أبو عمر بسنده إلى أبي الغريف قال : كنا في مقدمه الحسن بن علي رضي الله عنهما على اثني عشر ألفاً بمسكن مستميتين ، تقطر أسيافنا من الجد والحرص على قتال أهل الشام ، وعلينا أبو العمر طه ، فلما جاءنا صلح الحسن كأنما كسرت ظهورنا من الغيظ والحزن ، فلما جاء الحسن رضي الله عنه الكوفة أتاه شيخ منا يكنى أبا عامر سيفان بن ليلى ، فقال : السلام عليك يا مذل المؤمنين . فقال : " لا تقل هذا يا أبا عامر ، فإني لم أذل المؤمنين ، ولكني كرهت أن أطلبهم في طلب الملك " .

الصفحة 141