كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 20)

"""""" صفحة رقم 142 """"""
قال أبو عمر : ولا خلاف بين العلماء أن الحسن إنما سلم الخلافة لمعاوية حياتة ، لا غير ، ثم تكون له من بعده ، وعلى ذلك انعقد بينهما ما انعقد في ذلك الوقت ، ورأى الحسن ذلك خيراً من إراقة الدماء في طلبها ، وإن كان عند نفسه أحق بها .
قال : ودخل معاوية الكوفة وبايعه الناس ، فأشار عليه عمرو بن العاص أن يأمر الحسن بن علي فيخطب الناس ، فكره ذلك معاوية وقال : لا حاجة لنا بذلك : فقال عمرو : " ولكني أريد ذلك ليبدو للناس عيه ، فإنه لا يدري هذه الأمور ما هي " ولم يزل بمعاوية حتى أمر الحسن رضي الله عنه أن يخطب ، وقال له : يا حسن قم فكلم الناس فيما جرى بيننا . فقام الحسن رضي الله عنه فتشهد وحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال في بديهته : أما بعد أيها الناس فإن الله هداكم بأولنا وحقن دماءكم بآخرنا ، وإن لهذا الأمر مدة ، والدنيا دولٌ ، وإن الله عز وجل يقول : " وإن أدري أقريبٌ أم بعيدٌ ما توعدون . إنه يعلم الجهر من القول ويعلم ما تكتمون وإن أدري لعله فتنةٌ لكم ومتاعٌ إلى حين " .
فلما قالها ، قال له معاوية : أجلس . ثم قام معاوية فخطب الناس ، ثم قال لعمرو : هذه من رأيك .
ومن رواية عن الشعبي أن الحسن خطب فقال : " الحمد لله الذي هدا بنا أولكم وحقن بنا دماء آخركم ، ألا إن أكيس الكيس التقى ، وأعجز العجز الفجور ، وإن هذا الأمر الذي اختلفت فيه أنا ومعاوية إما أن يكون أحق به مني ، وإما أن يكون حقي فتركته لله تعالى وإصلاح أمة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وحقن دمائهم " .
ثم التفت إلى معاوية فقال : " وإن أدري لعله فتنةٌ لكم ومتاعٌ إلى حينٍ " . ثم نزل ، فقال معاوية لعمرو : ما أردت إلا هذا . وحقدها معاوية على عمرو .
ولحق الحسن رضي الله عنه بالمدينة ، بأهل بيته وحشمه ، والناس يبكون عند مسيرهم من الكوفة .

الصفحة 142