كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 20)
"""""" صفحة رقم 146 """"""
وكان أبوه زيد بن عمرو يطلب دين الحنيفية - دين إبراهيم عليه الصلاة والسلام - قبل أن يبعث رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، وكان لا يذبح للأنصاب ، ولا يأكل مما ذبح لها ، ولا يأكل الميتة ولا الدم ، وخرج في الجاهلية يطلب الدين هو وورقة بن نوفل ، فعرضت عليهم اليهود دينهم فتهود ورقة ، ثم لقيا النصارى فترك ورقة اليهودية وتنصر ، وأبى زيد أن يأتي شيئاً من ذلك ، وقال : ما هذا إلا كدين قومنا تشركون ويشركون ، ولكنكم عندكم من الله ذكر ولا ذكر عندهم . فقال له راهب : إنك تطلب ديناً ما هو على الأرض اليوم . قال : وما هو ؟ قال : دين إبراهيم عليه السلام .
قال : وما كان عليه إبراهيم ؟ قال : كان يعبد الله لا يشرك به شيئاً ، ويصلي إلى الكعبة .
فكان زيد على ذلك حتى مات .
ومن رواية أخرى قال : خرج ورقة بن نوفل وزيد بن عمرو يطلبان الدين حتى مرا بالشام ، فأما ورقة فتنصر ، وأما زيد فقيل له : إن الذي تطلب أمامك ، فانطلق حتى أتى الموصل فإذا هو براهب فقال : من أين أقبل صاحب الراحلة ؟ قال من بيت إبراهيم . قال : ما تطلب ؟ قال : الدين . قال : فعرض عليه النصرانية ، فقال : لا حاجة لي فيها ، وأبى أن يقبل ، فقال : إن الذي تطلب سيظهر بأرضك . فأقبل وهو يقول : لبيك حقاً حقاً . تعبد ورقا .
وقال : مهما تجشمني فإني جاشم . عذت بما عاذ به إبراهيم .
قال : وأتى سعيد بن زيد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال : يا رسول الله إن زيداً كان كما قد رأيت وبلغك فاستغفر له . قال عليه الصلاة والسلام : " نعم ، فإنه يبعث يوم القيامة أمة وحده " فاستغفر له .
قال أبو عمر : وكان عثمان ابن عفان رضي الله عنه قد أقطع سعيد بن زيد أرضاً بالكوفة فنزلها وسكنها إلى أن مات ، وسكنها من بعده من بنيه الأسود بن سعيد .
وكانت وفاة سعيد في سنة خمسين أو سنة إحدى وخمسين ، وهو ابن بضع وسبعين سنة رضي الله عنه وأرضاه .