كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 20)

"""""" صفحة رقم 148 """"""
ذكر قدوم عمرو بن العاص على معاوية وصلحه معه
كان عمرو بن العاص قد فارق المدينة وقدم إلى فلسطين في آخر أيام عثمان ، فأقام هناك حتى قتل عثمان بن عفان رضي الله عنه ، وقد ذكرنا في خلافة عثمان سبب خروج عمرو ، فلما أتاه الخبر بقتل عثمان قال : " أنا أبو عبد الله ، أنا قتلته وأنا بوادي السبع إن يل هذا الأمر طلحة فهو فتى العرب سيبا ، وإن يله ابن أبي طالب فهو اكره من يليه إلي " .
فأتاه الخبر ببيعة علي ، فاشتد عليه ، فأقام ينتظر ما يصنع الناس ، فأتاه خبر مسير عائشة وطلحة والزبير ، فأقام ينتظر ما يصنعون ، فأتاه خبر وقعة الجمل ، فأرتج عليه .
فسمع أن معاوية امتنع من بيعة علي رضي الله عنه وأنه يعظم شأن عثمان ، فدعا ابنيه ، فاستشارهما ، وقال : " ما تريان ؟ أما علي فلا خير عنده ، وهو يدل بسابقته ، وهو غير مشركي في أمره " . فقال له ابنه عبد الله : " يا أبت ، توفي النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وأبو بكر وعمر وهم عنك راضون ، فأرى أن تكف يدك وتجلس في بيتك حتى يجتمع الناس " .
وقال له محمد : " يا أبت ، أنت نابٌ من أنياب العرب ، ولا أرى أن يجتمع هذا الأمر وليس لك فيه صوت " .
فقال عمرو : " أما أنت يا عبد الله فأمرتني بما هو خير لي في ديني ، وأما أنت يا محمد فأمرتني بما خير لي في دنياي وشر لي في آخرتي " .
ثم خرج ومعه ابناه حتى قدم على معاوية وقيل : إنه ارتحل من فلسطين وهو يبكي كما تبكي المرأة ، ويقول : واعثماناه أنعى الحياء والدين ، حتى قدم دمشق فوجد أهل الشام يحضون معاوية على الطلب بدم عثمان . فقال لهم : أنتم على الحق اطلبوا بدم الخليفة المظلوم .
ومعاوية لا يلتفت إليه ، فقال له ابناه : ألا ترى إلى معاوية لا يلتفت إليك ، انصرف إلى غيره ، فدخل عليه فقال : " والله لعجبٌ لك أني أرفدك بما أرفدك وأنت معرض عني ، إن قاتلنا معك نطلب بدم الخليفة إن في النفس ما فيها ، حيث تقاتل من تعلم سابقته وفضله وقرابته ، ولكنا إنما أردنا هذه

الصفحة 148