كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 20)

"""""" صفحة رقم 18 """"""
إليها ، فقالت : " أيها الناس ، إن الغوغاء من أهل الأمصار وأهل المياه وعبيد أهل المدينة اجتمعوا على هذا الرجل المقتول ظلماً بالأمس ، ونقموا عليه استعمال من حدثت سنه ، وقد استعمل أمثالهم من قبله ، ومواضع من الحمى حماها لهم ، وهي أمور قد سبق بها لا يصلح غيرها ، فتابعهم ، ونزع لهم عنها استصلاحاً لهم ، فلما لم يجدوا حجةً ولا عذراً بادروا بالعدوان ، فسفكوا الدم الحرام ، واستحلوا البلد الحرام والشهر الحرام ، وأخذوا المال الحرام ، والله لإصبعٌ من عثمان خيرٌ من طباق الأرض أمثالهم ووالله لو أن الذي اعتدوا به عليه كان ذنباً لخلص منه كما يخلص الذهب من خبثة أو الثوب من درنه إذ ماصوه كما يماص الثوب بالماء " فقال عبد الله بن عمرو بن الحضرمي وكان عام لعثمان على مكة : " ها أنا ذا أول طالب " ، فكان أول مجيب ، وتبعه بنو أمية على ذلك ، وكانوا قد هربوا من المدينة إلى مكة بعد قتل عثمان ، وتبعهم سعيد بن العاص والوليد ابن عقبة .
وقدم عليهم عبد الله بن عامر من البصرة بمال كثير ويعلى ابن أمية وهو ابن منية من اليمن ومعه ستمائة بعير وستمائة ألف ، فأناخ بالأبطح . وقدم طلحةٌ والزبير من المدينة ، فلقيا عائشة : فقالت : ما وراءكما ؟ فقالا : " إنا تحملنا هرابا من المدينة من غوغاء وأعراب ، وفارقنا قوماً حيارى لا يعرفون حقاً ولا ينكرون باطلا ولا يمنعون أنفسهم " ، فقالت : انهضما إلى هذه الغوغاء . فقالوا : نأتي الشام . فقال ابن عامر : " قد كفاكم معاوية الشام ، فأتوا البصرة ، فإن لي بها صنائع ، ولهم في طلحة هوى " ، قالوا : " قبحك الله فوالله ما كنت بالمسالم ولا بالمحارب ، فهلا أقمت كما أقام معاوية فنكتفي بك ، ثم نأتي الكوفة فنسد على هؤلاء القوم مذاهبهم " . فلم يجدوا عنده جوابا مقبولا . حتى إذا استقام لهم الرأي على البصرة قالوا : " يا أم المؤمنين ، دعي المدينة ، فإن من معنا لا يطيق من بها من الغوغاء ، واشخصي معنا إلى البصرة فإنا نأتي بلدا مضيعا ، وسيحتجون علينا فيه ببيعة علي فتنهضينهم كما أنهضت أهل مكة ، فإن

الصفحة 18