كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 20)

"""""" صفحة رقم 21 """"""
وكتبت عائشة إلى رجال من أهل البصرة ، وإلى الأحنف بن قيس وأمثاله ، وأقامت بالحفير تنتظر الجواب .
ولما بلغ ذلك أهل البصرة دعا عثمان بن حنيف عمران بن حصين وأبا الأسود الدؤلي وقال : انطلقا إلى عائشة واعلما علمها وعلم من معها ، فأتياها وقالا : إن أميرنا بعثنا إليك ليسألك عن مسيرك فهل أنت مخبرتنا ؟ فقالت : " والله ما مثلي يسير بالأمر المكتوم إن الغوغاء من أهل الأمصار ونزاع القبائل غزوا حرم الرسول عليه الصلاة والسلام وأحدثوا فيه الأحداث ، وآووا فيه المحدثين ، فاستوجبوا لعنة الله ولعنة الرسول ، مع ما نالوا من قتل إمام المسلمين بلا ترةٍ ، ولا عذر ، فاستحلوا الدم الحرام فسفكوه ، وانتهبوا المال الحرام ، وأحلوا البلد الحرام والشهر الحرام ، ومزقوا الأعراض والجلود ، وأقاموا في دار قوم كارهين لمقامهم ضارين مضرين غير نافعين ولا منتفعين ، لا يقدرون على امتناع ولا يأمنون ، فخرجت في المسلمين أعلمهم ما أتى هؤلاء ، وما فيه الناس وراءنا ، وما ينبغي لهم أن يأتوا في إصلاح هذه القصة " وقرأت : " لا خير في كثيرٍ من نجواهم إلا من أمر بصدقةٍ أو معروفٍ أو إصلاحٍ بين الناس " ثم قالت : " نهض في الإصلاح فيمن أمر الله وأمر رسوله الصغير والكبير والذكر والأنثى ، فهذا شأننا إلى معروفٍ نأمركم به ونحضكم عليه ، ومنكرٍ ننهاكم عنه ونحثكم على تغييره فخرجا من عندها ، فأتيا طلحة فقالا له : ما أقدمك ؟ قال : الطلب بدم عثمان .
فقالا : ألم تبايع علياً ؟ قال : " بلى ، والسيف على عنقي ، وما أستقيل علياً البيعة إن هو لم يحل بيننا وبين قتلة عثمان " .
ثم أتيا الزبير فقالا له وقال مثل ذلك . فرجعا إلى عائشة فودعاها ، فودعت عمران ، وقالت يا أبا الأسود ، إياك أن يقودك الهوى إلى النار " كونوا قوامين لله شهداء بالقسط " الآية وسرحتهما ، ونادى مناديها بالرحيل . ومضيا حتى أتيا عثمان بن حنيف ، فبدر أبو الأسود عمران فقال :
يا ابن حنيفٍ قد أتيت فانفر
وطاعن القوم وجالد واصبر
وابرز لهم مستلئماً وشمّر

الصفحة 21