كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 20)

"""""" صفحة رقم 23 """"""
في المربد في موضع الدباغين ، وبقي أصحاب عثمان على حالهم ، يتدافعون حتى تحاجزوا ، ومال بعضهم إلى عائشة .
وأقبل حكيم بن جبلة ، وهو على خيل ابن حنيف ، فأنشب القتال ، فأشرع أصحاب عائشة رماحهم ، وأمسكوا اليمسك ، فلم ينته ولم ينثن ، وأصحاب عائشة كافون إلا ما دافعوا عن أنفسهم ثم اقتتلوا على فم السكة ، وأشرف أهل الدور ممن كان له في أحد الفريقين هوىً ، فرموا في الأخرى بالحجارة .
وأمرت عائشة أصحابها فتيامنوا ، حتى انتهوا إلى مقبرة بني مازن ، فوقفوا بها ملياً ، وثاب إليهم الناس ، فحجز الليل بينهم .
ورجع عثمان إلى القصر ، ورجع الناس إلى قبائلهم ، وأتى أصحاب عائشة إلى ناحية دار الرزق وباتوا يتأهبون ، وبات الناس يأتونهم ، واجتمعوا بساحة دار الرزق .
وأصبح عثمان فغاداهم ، وخرج حكيم ، فاقتتلوا قتالاً شديداً من حين بزغت الشمس إلى أن زالت ، وقد كثر القتل في أصحاب ابن حنيف ، وفشت الجراحة في الفريقين ، ومنادي عائشة يناشدهم ويدعوهم إلى الكف ، فيأبون ، حتى إذا مسهم الشر وعضتهم الحرب نادوا أصحاب عائشة إلى الصلح ، فأجابوهم . وتداعوا وكتبوا بينهم كتاباً على أن يبعثوا رسولاً إلى المدينة يسأل أهلها ، فإن كان طلحة والزبير أكرها على مبايعة علي خرج ابن حنيفٍ عن البصرة وأخلاها لهم ، وإن كانا لم يكرها على البيعة خرج طلحة والزبير .
فسار كعب بن سورٍ حتى أتى المدينة ، فقدمها يوم جمعة فسأل أهلها هل أكره طلحة والزبير على بيعة علي أم أتيا طائعين ؟ فلم يجبه أحدٌ إلا أسامة ابن زيد فإنه قال : اللهم إنهما لم يبايعا إلا وهما مكرهان . فواثبه سهل بن حنيف والناس ، وثار صهيبٌ وأبو أيوب في عدةٍ من الصحابة ، منهم محمد بن مسلمة ، حين خافوا أن يقتل أسامة ، فقالوا : اللهم نعم . فتركوه وأخذ صهيبٌ أسامة بيده إلى منزله .
وبلغ علياً الخبر فكتب إلى عثمان بن حنيف أنهما لم يكرها على البيعة .

الصفحة 23