كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 20)

"""""" صفحة رقم 27 """"""
اخترتكم على الأمصار ، وفزعت إليكم لما حدث ، فكونوا لدين الله أعواناً وأنصاراً ، وانهضوا إلينا ، فالإصلاح نريد ، لتعود هذه الأمة إخواناً " . فمضيا .
وأقام بالربذة ، وأرسل إلى المدينة ، فأتاه ما يريد من دابة وسلاح . ثم قام في الناس فخطبهم وقال : إن الله تبارك وتعالى أعزنا بالإسلام ورفعنا به ، وجعلنا إخواناً بعد ذلة وقلة وتباغض وتباعد ، فجرى الناس على ذلك ما شاء الله ، الإسلام دينهم ، والحق فيهم ، والكتاب إمامهم ، حتى أصيب هذا الرجل بأيدي هؤلاء القوم الذين نزغهم الشيطان ، لينزغ بين هذه الأمة ، ألا وإن هذه لا بد مفترقة كما افترقت الأممم قبلها ، فنعوذ بالله من شر ما هو كائن ثم عاد ثانية فقال : إن لا بد مما هو كائن أن يكون ، ألا وإن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين فرقةً ، شرها فرقة تنتحلني ولا تعمل بعملي ، وقد أدركتم ورأيتم ، فالزموا دينكم ، واهدوا بهديي ، فإنه هدي نبيكم ، واتبعوا سنته ، وأعرضوا عما أشكل عليكم حتى تعرضوه على القرآن ، فما عرفه القرآن فالزموه ، وما أنكره فردوه ، وارضوا بالله رباً ، وبالإسلام ديناً ، وبمحمد نبياً ، وبالقرآن حكماً وإماماً .
قال : ثم أتاه جماعة من طييء ، وهو بالربذة ، فقيل له : هذه جماعةٌ قد أتتك ، منهم من يريد الخروج معك ، ومنهم من يريد التسليم عليك . فقال : جزى الله كلاً خيرا " وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجراً عظيماً " . فلما دخلوا عليه قال لهم : ما شهدتمونا قال به ؟ قالوا : شهدناك بكل ما تحب . فقال : " جزاكم الله خيراً قد أسلمتم طائعين ، وقاتلتم المرتدين ، ووافيتم بصدقاتكم المسلمين " . فنهض سعيد بن عبيد الطائي فقال : " يا أمير المؤمنين ، إن من الناس من يعبر لسانه عن قلبه ، وإني - والله - ما كل ما كل ما أجد في قلبي يعبر عنه لساني ، وسأجهد وبالله التوفيق ، أما أنا فسأنصح لك في السر والعلانية ، وأقاتل عدوك في كل موطن ، وأرى من الحق لك ما لا أراه لأحد من أهل زمانك لفضلك وقرابتك " . فقال : " يرحك الله قد أدى لسانك عما يجن ضميرك " .
قال : ثم سار علي - رضي الله عنه - من الربذة ، وعلى مقدمته أبو ليلى بن عمرو بن الجراح ، والراية مع ابنه محمد ابن الحنفية ، وعلى ناقة حمراء يقود فرساً

الصفحة 27