كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 20)
"""""" صفحة رقم 305 """"""
سنة اثنين وستين
ذكر وفد أهل المدينة إلى يزيد بن معاوية وخلعهم له عند عودهم
وفي هذه السنة وفد جماعة من أهل المدينة إلى يزيد بن معاوية بالشام ، فيهم عبد الله بن حنظلة غسيل الملائكة وعبد الله بن أبي عمرو بن حفص بن المغيرة المخزومي ، والمنذر بن الزبير ، ورجال كثير من أشراف أهل المدينة .
وكان ابن الزبير قد كتب إلى يزيد لما استعمل الوليد ابن عتبة على الحجاز يقول : " إنك بعثت إلينا رجلاً أخرق ، لا بتجه لرشد ، ولايرعوى لعظة الحكيم ، فلو بعثت رجلاً سهل الخلق رجوت أن يسهل الأمور ما استوعر منها ، وأن يجتمع ما تفرق " .
فعزل يزيد الوليد ، واستعمل عثمان ابن محمد بن أبي سفيان ، وهو فتىً غر حدث لم تحنكه التجارب ، ولا يكاد ينظر في شيء من سلطانه ولا عمله .
فوفد هذا الوفد إلى يزيد ، فقدموا عليه ، فأكرمهم وأحسن إليهم وأعظم جوائزهم ، فأعطى عبد الله بن حنظلة مائة ألف درهم ، وكان معه ثمانية بنين فأعطى كل واحد منهم عشرة آلاف ، وأجاز المنذر ابن الزبير بمائة ألف كتب له بها على عبيد الله بن زياد فتوجه إلى العراق فقبضها .
ورجع الوفد إلى المدينة إلا المنذر ، فلما قدموا المدينة قاموا في الناس فأظهروا شتم يزيد وعيبه ، وقالوا : " قدمنا من عند رجل ليس له دين ، يشرب الخمر ، ويعزف بالطنابير ، وتعزف عنده القيان ، ويلعب بالكلاب ، ويسمر عنده الحزاب " وهم اللصوص " وإنا نشهدكم أنا قد خلعناه " .
وقام عبد الله بن حنظلة فقال : " جئتكم من عند رجل لو لم أجد إلا بني هؤلاء لجاهدته ، وقد أعطاني وأكرمني ، وما قبلت منه عطاءه إلا لأتقوى به " .
فخلعه الناس ، وبايعوا عبد الله بن حنظلة على خلعه ، وولوه عليهم .
ثم قدم المنذر من العراق إلى المدينة ، فحرض الناس على يزيد ، وقال : " إنه أجازني بمائة ألف ، ولا يمنعني ما صنع بي أن أخبركم خبره ، والله إنه ليشرب الخمر ، وإنه ليسكر حتى يدع الصلاة " وعابه بمثل ما عابه به أصحابه وأشد .