كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 20)
"""""" صفحة رقم 306 """"""
فبعث يزيد النعمان بن بشير الأنصاري وقال له : " إن عدد الناس بالمدينة قومك ، فأتهم فالفتهم عما يريدون ، فإنهم إن لم ينهضوا في هذا الأمر لم يجترئ الناس على خلافي " . فأتى النعمان قومه ، وأمرهم بلزوم الطاعة ، وخوفهم الفتنة ، فعصوه ولم يرجعوا إلى قوله ، فرجع . وبسبب هذه الواقعة كانت وقعة الحرة . وفي هذه السنة كان من الحوادث في بلاد المغرب ما نذكره إن شاء الله تعالى في أخبار أفريقية . وحج بالناس في هذه السنة الوليد بن عتبة . وفيها ولد محمد بن عبد الله بن عباس والد السفاح والمنصور .
سنة ثلاث وستين
ذكر وقعة الحرة
كان سبب هذه الوقعة ما قدمناه من خلع أهل المدينة يزيد بن معاوية ، فلما كان في هذه السنة أخرج أهل المدينة عثمان بن محمد ابن أبي سفيان عامل يزيد ، وحصروا بني أمية ، فاجتمع بني أمية ومواليهم ومن يرى رأيهم في ألف رجل ، ونزلوا دار مروان بن الحكم ، وكتبوا إلى يزيد يستغيثون به ، فلما قرأ الكتاب بعث إلى عمرو بن الأشدق ، فأقرأه الكتاب وأمره بالمسير في الناس ، فقال قد كنت ضبطت لك الأمور والبلاد ، فأما الآن إذ صارت دماء قريش تهراق بالصعيد فلا أحب أن أتولى ذلك .
فبعث إلى عبيد الله بن زياد ، فأمره بالمسير إلى المدينة ومحاصرة عبد الله بن الزبير بمكة ، فقال : " والله لا أجمعهما للفاسق ، قتل ابن بنت رسول الله وغزو الكعبة " ثم أرسل إليه يعتذر .
فبعث إلى مسلم بن عقبة المري وهو شيخ كبير مريض فأخبره الخبر ، فقال : أما يكون بني أمية " ومواليهم وأنصارهم بالمدينة " ألف رجل ؟ قال بلى ، قال : أما استطاعوا أن يقاتلوا ساعة من نهار ؟ ليس هؤلاء بأهل أن ينصروا فإنهم أذلاء دعهم يا أمير المؤمنين حتى يجهدوا أنفسهم في جهاد عدوهم ، ويتبين لك من يقاتل على طاعتك ومن يستسلم ، قال : ويحك إنه لا خير بعدهم فاخرج بالناس .