كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 20)

"""""" صفحة رقم 307 """"""
وقيل : إن معاوية قال ليزيد : إن لك من أهل المدينة يوما ، فإن فعلوا فارمهم بمسلم بن عقبة ، فإنه رجل قد عرفت نصيحته ، فأمره بالمسير إليهم .
منادى في الناس بالتجهيز إلى الحجاز وأن يأخذوا عطاءهم ومعونة مائة دينار لكل رجل ، فانتدب لذلك اثنا عشر ألفاً ، وساروا مع مسلم ، فقال له يزيد : إن حدث بك حدثٌ فاستخلف الحصين بن نمير السكوني ، وقال له : " ادع القوم ثلاثا فإن أجابوا وإلا فقاتلهم ، فإذا ظهرت عليهم فأبحها ثلاثا بما فيها من مال أو رقة أو سلاح أو طعام ، فهو للجند ، فإن انقضت الثلاث فاكفف عن الناس ، واكفف عن علي بن حسين ، واستوصي به خيراً فإنه لم يدخل مع الناس ، وقد أتاني كتابه " .
قال : ولمل بلغ أهل المدينة خبر الجيش اشتد حصارهم لبني أمية بدار مروان ، وقالوا : " والله لانكف عنكم حتى نضرب أعناقكم أو تعطونا عهد الله وميثاقه أنكم لاتبغونا غائلة ، ولا تدلوا لنا على عورة ، ولا تظاهروا علينا عدونا ، فنكف عنكم ونخرجكم " ، فعاهدوهم على ذلك ، وأخرجوهم من المدينة ، فساروا بأثقالهم حتى لقوا مسلم بن عقبة بوادي القرى ، فدعا عمرو بن عثمان بن عفان أول الناس ، فقال : أخبرني ما وراءك وأشر علي ، قال : لا أستطيع ، قد أخذ علينا العهود والمواثيق ألا ندل على عورة ولا نظاهر عدوا ، فانتهره وقال : " والله لولا أنك ابن عثمان لضربت عنقك ، وايم الله لا أقيلها قرشياً بعدك " .
فخرج إلى أصحابه ، فأخبرهم خبره ، فقال مروان بن الحكم لابنه عبد الملك : ادخل عليه قبلي لعله يجتزئ بك عني ، فدخل عبد الملك على مسلم ، فقال " نعم : " هات ما عندك ، فقال " نعم ، أرى أن تسير بمن معك ، فإذا انتهيت إلى أدنى نخلها نزلت ، فاستظل الناس في ظله وأكلوا من صقره ، فإذا أصبحت من الغد مضيت ، وتركت المدينة ذات اليسار ، ثم دري بها حتى تأتيهم من قبل الحرة مشرقا ثم تستقبل القوم ، فإذا استقبلتهم وقد أشرقت عليهم الشمس طلعت من أكناف أصحابك فلا تؤذيهم ، ويصيبهم أذاها ويرون من ائتلاق بيضكم وأسنة رماحكم وسيوفكم

الصفحة 307