كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 20)
"""""" صفحة رقم 308 """"""
ودروعكم مالا ترونه أنتم منهم ، ثم قاتلهم ، واستعن عليهم بالله تعالى " . فقال له مسلم : " لله أبوك . أي أموي " ثم دخل عليه مروان فقال له إيه . قال أليس قد دخل عليك عبد الملك ؟ قال : " بلى ، وأي رجل عبد الملك قلما كلمت من رجال قريش رجلاً به شبيه " فقال له مروان : إذا لقيت عبد الملك فقد لقيتني .
ثم ارتحل مسلم عن مكانه ، وفعل ما أمره به عبد الملك ، ثم دعاهم فقال : " إن أمير المؤمنين يزعم أنكم الأصل ، وإني أكره إراقة دمائكم ، وإني أؤجلكم ثلاثا ، فمن ارعوى وراجع الحق قبلنا به وانصرفت عنكم إلى هذا الملحد الذي بمكة ، وإن أبيتم كنا قد أعذرنا إليكم " . فلما مضت الثلاث قال مسلم : يا أهل المدينة ما تصنعون ؟ أتسالمون أم تحاربون ؟ فقالوا : بل نحارب ، فقال لهم : " لا تفعلوا ، بل ادخلوا في الطاعة ، ونجعل حدنا وشوكتنا على هذا الملحد الذي قد جمع إليه المراق والفساق من كل أواب " يعني عبد الله بن الزبير ، فقالوا له : يا عدو الله ، لو أردتم أن تجوزوا إليه ما تركناكم : أنحن ندعكم أن تأتوا بيت الله الحرام فتخيفوا أهل مكة وتلحدوا فيه وتستحلوا حرمته ؟ لا والله لا نفعل " .
قال : وكان أهل المدينة قد اتخذوا خندقا ، وعليه جمع منهم ، عليهم عبد الرحمن بن أزهر بن عوف وهو ابن عم عبد الرحمن بن عوف وكان عبد الله بن مطيع مع ربع قريش في جانب المدينة ، وكان معقل سنان الأشجعي ، أحد الصحابة على ربع المهاجرين ، وكان أمير جماعتهم عبد الله بن حنظلة الغسيل الأنصاري في أعظم تلك الأرباع ، وهم الأنصار .
وصمد مسلم بن عقبة فيمن معه ، فأقبل من ناحية الحرة ، حتى ضرب فسطاطه على طريق الكوفة ، وكان مريضاً ، فأمر فوضع له كرسي بين الصفين ، فجلس ، ثم حرض أهل الشام على القتال ، فجعلوا لا يقصدون ربعا من تلك الأرباع إلا هزموه ، ثم وجه الخيل نحو ابن الغسيل ، فكشفهم ، حتى انتهوا إلى مسلم ، فنهض في وجوههم بالرجال ، وصاح بهم ، فقاتلوا قتالاً شديداً .